139

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

والتابعين فهو في هذا غير معتمد على العقل وحده، ولا على النظر المجرد الذي لا يعتمد على النقل.

١٧- ننتهي من هذا إلى أن أحمد يرى أن القرآن غير مخلوق، أو انتهى رأيه بعد دراسة الكتاب والسنة إلى هذا الرأي، وهو في هذا يعتمد على القرآن الكريم، ويعتمد على الآثار، ويحاكي منهاج السلف الصالح.

ولكنه لم يوجهه التوجيه العقلي، ليسوغه في الفكر؛ لأنه لا يعد ذلك من عمله، لأنه ليس بصاحب كلام؛ إذ أن ذلك النحو من التفكير، إنما يتجه إليه علماء الكلام، وأهل الجدل والخصومات الذين كانوا يسندون آراءهم بإسناد من العقل، ولا يتقيدون بأن تكون أسانيدهم من النقل.

وإذا كان أحمد لم يحاول محاولة عقلية لتسويغ رأيه في الفكر، فقد وجد بعده من العلماء من عمل على توضيح رأيه ببيان الدعامة العقلية التي يبني عليها، والأسس الفكرية التي يقوم عليها بناؤه، ومن هؤلاء ابن قتيبة وابن تيمية، وهما في سبيل ذلك فرقابين القرآن وقراءته، فالقرآن الذي يقرأ - كلام الباري سبحانه وتعالى، والقراءة هي صوت القارئ الذي يسمع، لقوله تعالى: ((وإن أحد من المشركين استجارك، فأجره، حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه)) ولقول النبي صلى الله عليه: ((زينوا القرآن بأصواتكم))، وقد سمع النبي صلى الله عليه أبا موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن، فقال له أبو موسى: «لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا»

وإذا كانت القراءة صوت العبد، فهي مخلوقة، كما أن العبد مخلوق،

ومثل القراءة المداد الذي تكتب به المصاحف، فهو ليس كلام الله سبحانه وتعالى وإن كان المكتوب كلام الله، ولقد قال الله تعالى: ((قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، ولو جئنا بمثله مددا))، ففرق سبحانه وتعالى بين المداد الذي تكتب به كلماته، وبين كلماته(١).

١٨- هذه هي قراءة القرآن والمداد الذي يكتب به لا يماري أحد في أنها مخلوقة، والمروي عن أحمد ذلك. أما ذات القرآن الذي نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه، فهو

(١) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ـ ٣ ص ٢١، ٢٢ طبع المنار

138