Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
٤ - عصر أحمد وتأثيره فيه
١٠٨ كانت حياة أحمد رضى الله عنه في العصر الذي نضجت فيه كل عناصر العصر العباسي، فقد نضج فيه كل شيء، وأتى أكله، وسواء أكان حلوا، أم كان مرا، وسواء أكان مرينا، أم كان وبيئا، فهو نضج الشيء بخواصه على أي حال كانت هذه الخواص.
فمن الناحية السياسية استقرت الأمور للدولة العباسية، ولم ينازعها منازع ذو قوة تحسب حسابها، فالخوارج قد فلت شوكتهم، ولم يعد لهم في هذه الدولة شأن، والعلويون من بعد الرشيد لم تكن لهم قوة يصاولون بها بني عمهم، وينازلون، فلم تخرج منهم خارجة لا يتغلب عليها بغير عناء.
ولكن إذا كانت الدولة قد استعصمت على الخارجين عليها من غيرها، سواء أكانوا من الأقربين لها، أم كانوا من غيرهم، فقد ابتدأ التنافس والتنازع بين أعضائها، وكانت ولاية العهد من مظاهر ذلك، إذ يحاول الخليفة أن ينقض عهد من سبقه، وكانت الفتنة بين الأمين والمأمون أولى هذه المظاهر، وقد انتهت بقتل الأمين، وغلبة المأمون، ولكنها نهاية لم تكن محمودة المغبة في كل نواحيها، بل كانت سيئة المغبة في أظهرها، ذلك أن المأمون انتصر بسيوف بني فارس، إذ كانت المعركة بين الأمين والمأمون معركة بين الجيش الفارسي، والجيش العربي، فلما انهزم الأمين كان انهزامه هزيمة للعرب، لم تعل لهم كلمة في الحكم العباسي.
١٠٩- وقد استقرت الأمور استقرارا تاما بعد ذلك. فانصرف المأمون إلى الجهاد ومن بعده المعتصم والواثق، وصار للدولة الإسلامية قوة مرهوبة، ولكنها في ذات نفسها تحمل عوامل ضعفها، فإن أولئك الخلفاء اعتمدوا في سلطانهم على الأعاجم، فاعتمد المأمون أولا على الفرس، واعتمد المعتصم من بعده على الترك، فاصطنع منهم قوته، واتخذهم عدته في الحروب، ثم كانوا من بعد ذلك عوامل الضعف في الدولة، فقتلوا الخلفاء، واستباحوا حماهم، واستبدوا بالأمر دونهم، بل استبدوا بهم استبدادا شديدا، وهتكوا كل حريجة دينية كانت تحصنهم أو تحميهم، فانقسمت الدولة الإسلامية من بعد ذلك دولا، وتوزعت أوزاعا، ولم تجمعها جامعة سياسية من بعد.
105