م ولا يستعذبوه
فكأن النوم شيء
لم يكونوا يعرفوه
لبسوا ثوبا من الخد
مة حتى خلعوه
مع جلباب من الحز
ن فما أن نزعوه
لم تنم أعين ونامت عيون، وهجع قوم وآخرون لا يهجعون، لا يعرفون النوم ولا يستعذبونه، حتى لكأن النوم شيء لا يعرفونه، فقد أسهدهم حب ووجد، وحزن وشوق، وتطلع إلى النور الأسنى والمقام الأعلى، وتلهف على الرضا، وتطلع إلى المشاهدة في الخلوة والجلوة، وأمل في القرب والمغفرة.»
وصلوات الله على الأمين الحبيب، لقد قام الليل حبا وشكرا حتى أدميت قدماه، وحتى أشفقت عليه عائشة - رضوان الله عليها - فرجته الرفق بنفسه، والرحمة بشوقه قائلة: «لقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فترفق.»
فقال الحبيب الأمين - صلوات الله عليه: «يا عائشة، ألا أكون عبدا شكورا!» ذلك هو مقام الشكر، ولليل المقامات بأسرها؛ فإن للإنسان في الليل سبحا طويلا، لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا. ويقول محيي الدين: «اعلم - أيدك الله بروح القدس منه - أن الله جعل الليل لأهله، مثل الغيب لنفسه، فكما لا يشهد أحد فعل الله في خلقه لحجاب الغيب الذي أرسله دونهم؛ كذلك لا يشهد أحد فعل أهل الليل مع الله في عبادتهم لحجاب ظلمة الليل التي أرسلها الله دونهم؛ فهم خير عصبة في حق الله، وهم شر فتية في حق أنفسهم، ليسوا بأنبياء تشريع لما ورد من إغلاق باب النبوة، ولا يقال في واحد منهم عندهم: إنه ولي؛ لما فيه من المشاركة مع اسم الله، فيقال فيهم: أولياء، ولا يقولون ذلك عن أنفسهم، وإن بشروا، فجعل الليل لباسا لأهله يلبسونه، فيسترهم هذا اللباس عن أعين الأغيار ، يتمتعون في خلواتهم الليلية بحبيبهم فيناجونه من غير رقيب؛ لأنه جعل النوم في أعين الرقباء سباتا، أي راحة لأهل الليل إلهية، كما هو راحة للناس طبيعية؟ فإذا نام الناس استراح هؤلاء مع ربهم، وخلوا به حسا ومعنى فيما يسألونه من قبول توبة، وإجابة دعوة، ومغفرة، وغير ذلك؛ فنوم الناس راحة لهم، وإن الله - تعالى - ينزل إليهم بالليل إلى السماء الدنيا، فلا يبقى بينه وبينهم حجاب فلكي، ونزوله إليهم رحمة بهم، ويتجلى لهم في سماء الدنيا، كما ورد في الخبر: «يقول الله: كذب من ادعى محبتي، فإذا جنه الليل نام عني، كل محب يطلب الخلوة بحبيبه، فها أنا ذا قد تجليت لعبادي، هل من داع فاستجيب له، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، حتى ينصدع الفجر.» فأهل الليل هم الفائزون بهذه الحظوة في هذه الخلوة وهذه المسامرة في محاربهم، فهم قائمون يتلون كلامه، ويفتحون أسماعهم لما يقول لهم في كلامه - سبحانه.
Página desconocida