عن أمامة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل.» (رواه الترمذي).
وعن عمر بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله - صلوات الله عليه - على أصحابه ذات يوم وهم يتراجعون في القدر، فخرج مغضبا حتى وقف عليهم، فقال: «يا قوم، بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتاب بعضه ببعض، وإن القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض، ولكن نزل القرآن فصدق بعضه بعضا، ما عرفتم منه فاعملوا، وما تشابه فآمنوا به.» (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ونحن نتنازع في القدر؛ فغضب حتى احمر وجهه، ثم قال: «أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تنازعوا.»
وعن أبي الدرداء وأبي أمامة وأنس بن مالك قالوا: خرج علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ونحن نتنازع في شيء من الدين؛ فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله، ثم انتهرنا، وقال: «يا أمة محمد، لا تهيجوا على أنفسكم.» ثم قال: «أبهذا أمرتكم؟ أوليس عن هذا نهيتكم؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا.»
ذلك هو البيان الذي لا بيان بعده، لا تضرب آيات القرآن بعضها ببعض جدلا وعنادا، وإنما عمل بما تعرف، وإيمان بما تشابه؛ فلا تنازع يعقبه الفشل، ولا تخاصم وتنابز وبغضاء تورث الهلاك، ولا يهيج المسلم على نفسه غضبا من الله، بذلك اللحن البغيض، من القول المسموم.
هكذا كان محمد - صلوات الله عليه - وصحبه - رضوان الله عليهم، حتى فتحت علينا فرق الجدل وعلماء النظر وأئمة الكلام، أبواب هذا الجحيم.
جاء في كتاب «أعلام الموقعين»: «وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا، ولكن - بحمد الله - لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة، من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلا، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا، ولم يبدوا لشيء فيها إبطالا، ولا ضربوا لها أمثالا، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالإيمان والتعظيم.»
Página desconocida