أن كل من ترك خلقا كريما؛ إنما تركه بسوء خلق ذميم.
واعلم:
أن الأخلاق أصناف، كما أن الخلق على أصناف؛ فينبغي أن تعرف أي خلق تستعمله معه من الأخلاق الكريمة، والذي يعم أكثر الأصناف إيصال الراحة لهم، ودفع الأذى عنهم، ولكن في مرضاة الله - تعالى، فاجتهد في ذلك يا حبيبي، واعلم أنهم خلق الله، عبيد مسخرون، مجبورون في حركاتهم، ونواصيهم بيد محركهم، والنبي - عليه السلام - قد أراحنا في هذا المقام فقال: «بعثت لأتمم لكم مكارم الأخلاق.» فكل موضع قال لك الشرع فيه: إن شئت انتصرت، وإن شئت تركت. أو قال لك فيه: إن شئت جازيت، فجعلت نفسك محلا للسيئة؛ فإنه - تعالى - قال:
وجزاء سيئة سيئة مثلها ، وإن شئت قابلت بالعفو والصفح، فكن ممن عفا وأصلح وأجرك على الله، وإياك أن تقتص ممن أساء إليك؛ فإن الله سماها سيئة بالجملة، وإن كانت مما يسوء المقتص منه. والأولى سيئة شرعية مما يسوءه؛ فهما سيئتان، وكل موضع قال لك الشرع فيه: اغضب فاغضب، وإن لم تغضب فليس بخلق محمود؛ فإن الغضب لله من مكارم الأخلاق مع الله، ومن أحسن معاملة من الله - تعالى؟ فطوبى لمن عامله وصاحبه، فمع الله ينبغي أن تصرف الأخلاق التي أثنى عليها الله وبينها وأوضحها.
ومما لا بد لك منه:
مجانبة الأضداد، ومن ليس من جنسك من غير أن تعتقد فيهم سوءا يخطر لك بخاطر، ولكن بنية صحبة الحق وأهله وإيثاره عليهم، فكذلك معاملتك مع الحيوانات من الشفقة عليهم والرحمة لهم، فإنهم ممن سخرهم الحق لك؛ فلا تحملهم فوق طاقتهم، ولا تركب عليهم بطرا ولا أشرا، وكذلك مع ملك اليمين من الرقيق فهم إخوانك، ملكك الله نواصيهم؛ ليرى كيف تتصرف فيهم، وأنت عبد له - سبحانه - فما تحب أن يصرف عنك من السوء والقبيح فذلك بعينه افعله معهم، تجز بذلك يوم حاجتك إليه، فإن كان لك أهل فأحسن العشرة معهم، فالكل عيال وأنت من جملة العيال.
وجماع الأمر كله: أن كل ما تحب أن يفعله الحق معك، افعله مع خلقه قدما بقدم، وإن كان لك ولد فعلمه كتاب الله لله، لا لغرض من أغراض الدنيا، وألزمه محافظة الآداب الشرعية والأخلاق الدينية، واحمله على الرياضة من صغره حتى يعتادها، ولا تزرع الشهوات في قلبه، وبغض إليه زينة الحياة الدنيا، وعرفه ما يئول إليه صاحبها من نقص الحظ في الآخرة، وما يئول إليه تاركها من جزيل الحظ في الآخرة، ولا تعمل ذلك شحا على درهمك ومالك.
ومما لا بد لك منه:
ألا تقرب من أبواب السلاطين، ولا تصاحب المتنافسين في الدنيا؛ فإنهم يأخذون بقلبك عن الله، فإن اضطرك أمر إلى صحبتهم، فعاملهم بالنصيحة ولا تخفهم؛ فإنك إنما تعامل الحق، ومهما فعلت ذلك سخروا بك، ولتكن في عموم أحوالك مصروف الهمة بالتوجه إلى الله - تعالى - في تخلصك مما أنت فيه بما هو أحسن لك في دينك.
ومما لا بد لك منه:
Página desconocida