يهدأ روع ابن عمار ويقصد إلى المعتمد فيلاقيه وقد بدت عليه علائم فرح يغشيه الحزن ولكن ابن عمار يسرع فيدبر الأمر والمال الذي يطلبه ريمون ويرسله إليه ليفك ابن المعتمد من أسره، ولكن ريمون يطمع فلا يقبل أن يفك الأسير بالآلاف العشرة التي انتهى إليها الاتفاق ، وإنما هو يزيدها إلى ثلاثة أضعاف فيطلب ثلاثين ألفا من خالص الذهب.
وحين يبلغ هذا الطلب مسمع المعتمد ينشق قلبه من الغيظ والإشفاق على ابنه؛ فإن هذا القدر من المال لم يكن موجودا لديه وإنما الموجود لديه هو ابن عمار رجل الملمات.
ولا يطول التفكير بابن عمار بل هو يأمر فتضرب مسكوكات جديدة مزيفة ليس فيها من الذهب إلا القليل النادر الذي يكفي ليجعل ريمون يظنها ذهبا وما هي من الذهب إلا في اسمها.
وتجوز الحيلة على ريمون فيطلق الراشد من أسره ويعود إلى أبيه فرحا أنه كان ذا أهمية غير شاعر بما كان في نفس أبيه من ألم وحسرة وخوف. ويعود ابن عمار إلى معتمده صديقين أخلص ما تكون الصداقة فرحين بحيلتهما التي خالت على ريمون يوهم كل منهما الآخر أن النصر كان في جانبهما؛ فهكذا النفس إن رامت أمرا كبيرا ولم تنل منه إلا القليل أو ما هو أقل من القليل حاولت أن تقتنع أن ما نالته كان النصر مؤزرا، وما أكثر ما تخادع نفسها النفس.
قمة المجد
لم يكن ابن عمار ليغبى عن فهم الأمر فهو على يقين أنه قد هزم ولكن لا بد له أن يظهر للمعتمد أنه انتصر حتى يهدأ طائره وتطمئن نفسه، أما ابن عمار فإنه يعلم الحق من الأمر ولكنه لم ييأس إلى الهزيمة بل إنه ليصر في بعيد نفسه أن ينال مرسية، وقد خشي ابن عمار أن يظهر إصراره هذا للمعتمد فيغضب فأخذ يعمل وحده مستخفيا مرسلا الرسل إلى مرسية متنطسا أخبارها، وقد خشي ابن عمار أن يعرف المعتمد بما يفعله فلم يجد وسيلة خيرا من الإغراق في الخمر والتظاهر بهذا الإغراق ما وسعه التظاهر حتى تناقل الناس عنه ذلك وحتى بلغته قالة الناس، فإذا هو ينظم أبياتا ثلاثة يكتبها فلا يظهرها لغير المعتمد حتى يثق المعتمد أن ابن عمار قد عاد إلى ما كان عليه من خمر وشعر بعيدا عن السياسة وطموحها:
نقمتم علي الراح أدمن شربها
وقلتم فتى راح وليس فتى مجد
ومن ذا الذي قاد الجياد إلى الوغى
سواي، ومن أعطى كثيرا ولم يكد؟
Página desconocida