تؤمن الطائفة اليزيدية بسبعة آلهة خلقت من نور إله واحد كما تضاء الشمعة من الشمعة، وقد خلق كل منهم في يوم من أيام الأسبوع، وندبه الإله الأكبر لإبداع جزء من العالم الأعلى أو العالم الأدنى، وهم يعتقدون أن الله خلقهم من نطفة آدم غير ممتزجة بجسم حواء، خلافا لسائر البشر ممن ينتسبون إلى آدم وحواء، ولعلهم أخذوا معتقدهم هذا من المانوية أو من المعرفيين، الذين يروون في أساطيرهم أن آدم طلق حواء فأسلمتها الأرباب إلى شياطين الجحيم، وعندهم أن آدم هذا هو آدم الحادي والسبعون، كلهم ذهبوا بالمعصية من الوجود، ولم تبق على صلاح غير ذرية آدم من صلبه دون مخالطة المرأة، وهم اليزيديون.
ويعتقدون بتناسخ الأرواح وعودة الأشرار إلى الحياة في أجساد الحيوان، ويحرمون ألوانا من الأطعمة والأكسية لا يعرفون علة لتحريمها غير التعلات التي هي أشبه بأحاجي الأقاصيص، ومنها تحريم أكل الخس؛ لأن قديسهم الشيخ «عادي» مر به فلم يعرفه، وسأل عنه فلم يجبه، وتحريمهم لبس الثوب الكحلي لأنه عدو السماء.
وهم يقدسون السيدة مريم والحلاج، ويحجون إلى جبل الدروز كما يحجون إلى مكة، وكتابهم المقدس يسمى كتاب الجلوة، يلحق به كتاب يسمى مصحف رش أو المصحف الأسود، ولكن الفصل الثالث من كتاب الجلوة يعلمهم أن الله يرشد بغير كتاب، ويخص عباده المقربين بالإلهام من غير سماع.
وليس فيما رواه الثقات عنهم ما يثبت عبادتهم للشيطان، ولعل القول بعبادتهم للشيطان لبس، جاء من اعتقادهم أن الإله الذي يسمونه «طاوس ملك» نصح لآدم بأكل الحنطة، فانتفخ بطنه، وضاقت به الجنة، فأخرجه «طاوس ملك» إلى العراء وصعد إلى السماء، ولم يكن لآدم مخرج، فأرسل إليه طائرا نقر بطنه فاستراح من أكله الحنطة، وعاش بعيدا من الجنة المطهرة يأكل هو وبنوه من ذلك الطعام الأرضي إلى يوم القيامة.
فالذين سمعوا أنهم يعبدون «طاوس ملك» الذي أخرج آدم من الجنة قد وحدوا بين هذا الملك وبين الشيطان، وحسبوهم من النحل الشيطانية التي تعبده عبادة الأرباب.
على أننا نعرض النحل الشيطانية جميعا فلا نرى نحلة منها تعبد الشيطان بالمعنى المفهوم من العبادة، وهو الحب والتنزيه والتسليم، وإنما يقصدون بتلك المراسم التي يسمونها العبادة أن يزدلفوا إليه بالترضية والمداراة، وأن يتقوا منه الشر الذي لا يقيهم منه رب سواه؛ لأنه موكل بحكم الأرض إلى اليوم المعلوم، فهي مصانعة خوف أو نقمة على الخير الذي لا ينالونه، وليس في شعائر هذه النحل أثر واحد يحق لنا أن نطلق عليه اسم العبادة، حيث نعني بالعبادة إيمان الحب والتعظيم، والرضى بالفداء والبلاء في سبيل ذلك الإيمان، فليس في تلك الشعائر كافة علامة على قبول الفداء في سبيل العقيدة الشيطانية، أو قبول الامتحان والصبر عليه إيثارا لرضى الإله المعبود، ولو لم يكن فيه نعمة أو هبة من هبات الدنيا والآخرة، وكأنما كانت «عبادة الشيطان» تهمة جرت على ألسنة المنكرين لعقائدهم زراية بهم، وضنا عليهم أن يحسبوا في زمرة «العباد» المؤمنين بالله.
وإذا كان الفداء شرطا من شروط العبادة الخالصة، فما من نحلة شيطانية يتقبل المؤمنون بها أن يخسروا كثيرا أو قليلا في سبيل الشيطان، فهي مساومة وانتفاع بالواقع الذي لا مهرب منه، ومثل هذه المساومة لا تسمى بالعبادة إلا من قبيل المجاز والتمثيل.
حلفاء الشيطان
يدل تاريخ السحر على تضامن النوع الإنساني في التهدي إلى العقائد العميقة، التي تعرب عن نظرة شاملة إلى الحياة أو إلى الكون كله، وتبدو أفكار الناس في هذه العقائد كأنها تصدر عن عقل واحد يتعاون فيها ببداهته وخياله، وبذهنه وحسه، وتتقارب فيه ملكة التشخيص والرمز في وعي الإنسان الساذج، وملكة التجريد والتعميم في تفكير الفيلسوف المدرب على دقائق التفكير.
لو قال قائل في هذا العصر: إن الكون كله فكرة، أو إنه كله عدد وحسبة رياضية، لما احتاج في قوله هذا إلى تعمق بعيد، ولا ظهر منه أنه يشتط في نزعات التصوف أو نزعات التجريد؛ لأن الخاصة والعامة في زماننا يسمعون أن المادة كلها، على اختلاف عناصرها وتراكيبها وأجسامها، إنما هي ذرات تتألف من النواة والكهرب، وأن الذرة حين تنشق تئول إلى شعاع، وأن الشعاع هزات في الأثير، فلا صعوبة على العقل الساذج في تجريد المادة من تلك الكثافة، أو تلك الصلابة التي كانت عنده وصفا عاما لكل مادة، وكان الهواء عنده غاية ما يتصوره من الخفة والشفافية والانطلاق من قيود الجسم الكثيف.
Página desconocida