إبليس أشرف من أبيكم آدم
فتبينوا يا معشر الأشرار
النار عنصره وآدم طينة
والطين لا يسمو سمو النار
فليس للغربيين امتياز فطري في طلب المعرفة للمعرفة بغير نظر إلى منافع الكسب والصناعة، وليس الشرقيون محرومين من طلب المعرفة للمعرفة في قديم الزمن أو حديثه، فقد رصد المصريون - مثلا - كواكب السماء، وعرفوا أن الشعرى تظهر في موضع معلوم عند وصول الفيضان إلى منف، فاستخدموا الرصد بعد ذلك في تقرير مواعيد الزراعة، ولكنهم كما قال صاحب كتاب الرياضيات في الثقافة الغربية: قد رصدوها مئات السنين حبا للمعرفة قبل أن يثبت لهم ذلك الموعد الذي انتفعوا به في تنظيم الري والزراعة.
5
وإنما امتاز الإغريق بالبحوث الفلسفية في زمن من الأزمان لسبب واضح: هو أن هذه البحوث كانت مباحة عندهم حيث كانت تمتنع على غيرهم من أبناء الدول الشرقية العريقة، وهي لم تكن مباحة لهم لمزية أصلية في طبيعة التركيب ... ولكنها أبيحت لهم لأن بلادهم نشأت وتطورت دون أن ينشأ فيها عرش قوي وكهانة قوية، ولو قامت عندهم الدولة القوية والكهانة القوية، كما قامت في مصر وبابل، لكان شأنهم في أسرار الدين والمسائل الإلهية كشأن البابليين والمصريين.
فالبلاد التي تجري فيها الأنهار الكبيرة تنشأ فيها الممالك الراسخة، وتنشأ مع الممالك كهانات قوية السلطان تستأثر بالبحث في أصول الأشياء وحقائق التكوين، وتتولى شئون العلم والتعليم كأنها حق لها مقصور عليها لا يجوز الافتئات عليه، وإلا كان المفتئت كالمعتدي على نظام الدولة ومحراب العبادة، ومتى طال الأمد بهذه الكهانات جيلا بعد جيل، وعصرا بعد عصر؛ تمكن سلطانها، وتشعبت دعاواها، وتلبست معلوماتها بلباس الأسرار والطلاسم، وابتعدت شيئا فشيئا عن نطاق البحث الحر إلى نطاق المحفوظات والمأثورات.
وقد حكم على سقراط بالموت، وهرب فيثاغوراس قبله من وطنه، وهرب غيره من الفلاسفة من أثينا، دون أن تكون في بلادهم تلك الكهانات الراسخة التي طالت بها العهود في البلاد الشرقية، «وحدث للأوروبيين ما حدث في الشرق حين قامت في بلادهم الكهانات القوية، وبسطت سلطانها على التعليم ومعارض البحث في حقائق الدين وأسرار الطبيعة».
6
Página desconocida