أفلا تتفكرون ... هذه الهوية الإنسانية هي التي تسمح بتأسيس المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والطفل والمرأة، وقد ظهرت هذه الهوية الإنسانية في كل حضارة؛ عند كونفوشيوس في الصين، وبوذا في الهند، وسقراط عند اليونان، والمعري عند العرب، وإراسموس وشكسبير وجوته في الغرب. هي الهوية التي تنبع من الذات؛ من الجوهر، لا من الأعراض الخارجية. هي الهوية التي تصبح فيها الإنسانية هوية واحدة، لا تمييز فيها بين أجناس أو لغات أو ثقافات أو أوطان.
هي هوية تنبع من حضارات الشرق القديم، بعد أن أدت الحضارة الغربية الحديثة مهمتها في الحداثة بنموذجها في التحديث في القرون السبعة الأخيرة. العودة إلى الآداب القديمة في القرن الرابع عشر للتخلص من اللاهوت الكنسي، والإصلاح الديني في القرن الخامس عشر للتخلص من السلطة الكنسية واحتكار التفسير، وجعل العلاقة بين الإنسان والله علاقة مباشرة، والنزعة الإنسانية في القرن السادس عشر، وجعل الإنسان مركزا للكون واكتشافه في قلب الوحي، والعقلانية في القرن السابع عشر، وإثبات الوجود بالفكر «أنا أفكر إذن أنا موجود»، ثم تطبيق العقل في المجتمع وظهور فلسفة التنوير، الحرية والإخاء والمساواة، والمبادئ الثلاثة التي قامت عليها الثورة الفرنسية، ثم العقل في الطبيعة وتأسيس العلم الطبيعي، والثورة العلمية؛ خصوصا العلوم البيولوجية في القرن التاسع عشر ونظرية التطور، ثم أزمة القرن العشرين؛ كما بدت في العدمية وفلسفات العبث ثم في التفكيكية وفلسفات ما بعد الحداثة، وإعلان النهاية في الفينومينولوجيا. انتهت حضارة في الغرب وبدأت حضارة في الشرق فيما يسمى «ريح الشرق». وكما بدأت العنقاء تطير من الشرق إلى الغرب في الماضي، من الصين والهند وفارس وبابل وآشور وكنعان ومصر، إلى اليونان والرومان والعرب والحضارة الإسلامية حتى الغرب الحديث، فإنها تطير من جديد عائدة من الغرب إلى الشرق، مارة بالمنطقة العربية الإسلامية. فالهوية التاريخية تتحرك الآن ونحن في قلبها، وقد يكون الربيع العربي أحد مساراتها.
Página desconocida