145

بكربلاء فوجدته يشير بيده ، ويقول : «ها هنا ها هنا». فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال : «ثقل لآل محمد (صلى الله عليه وآله) ينزل ها هنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم». فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال : «ويل لهم منكم تقتلونهم ، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار». قال نصر : وقد روي هذا الكلام على وجه آخر ، أنه قال : «فويل لكم منهم ، وويل لهم عليكم». فقال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد عرفناه ، فويل لنا عليهم ما معناه؟ فقال : «ترونهم يقتلون لا تستطيعون لنصرتهم». قال نصر : وحدثنا سعيد بن حكيم العبسي ، عن الحسن بن كثير ، عن أبيه : أن عليا (عليه السلام) أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : «ذات كرب وبلاء». ثم أومأ بيده إلى مكان ، فقال : «ها هنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم». ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : «ها هنا مهراق دمائهم». ثم مضى إلى ساباط. فهذه الأحاديث وهذه الأخبار تروي عن جده وعن أبيه من قبل أن يأتي إلى العراق ، ويحط رحله في كربلاء ، فهو أدرى من غيره بما يجري عليه وعلى أصحابه ؛ ولهذا صار يخبر أصحابه وأهل بيته وشيعته عن مقتله بهذه البقعة ، وأمرهم فنزلوا وضربوا أخبيتهم امتثالا لأمره ، فضربوا خيامهم قبالة الشمال الشرقي أبوابها. وأول خيمة نصبوها خيمة الحسين (عليه السلام) العظمى ، حيث هي محل مجتمعهم وناديهم ، ثم ضربوا أخبية عيالات الحسين (عليه السلام) بمسافة خمسين ذراعا غربي الخيمة العظمى ، وحجبوها بالزقاقات والأستار المزركشة بالإبريسم ، ثم خيم أهل بيته خلف الخيمة العظمى ، أي قبلتها متصلة بخيم الهاشميات ، ثم خيم الأنصار ، ونصبوا خيامهم شرقي خيم الهاشميين ، فكانت الخيم كلها كنصف دائرة محيطة بخيمة الحسين العظمى (مجلسه)، ومن وراء الخيم مرابط الخيول ومعاطن الإبل. ووقف أصحاب الحسين (عليه السلام) وإخوته ، وأولاده وأولاد أعمامه جعفر وعقيل ، متقلدين صوارمهم ، مشرعين رماحهم أمام الخيم حتى بقية يومهم ذاك.

Página 146