Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Géneros
مثلا، من القرآن الشريف هكذا: «ويضيق صدري ولا ينطلق لساني» بتسكين القاف في الكلمتين، غير أن الذي يمنع قبول هذه الفكرة أنها إذا تحققت عملا أخلت إخلالا كليا بكل ما وصل إلينا من شعر الجاهلية وشعر المسلمين وغير المسلمين إلى اليوم؛ لأنك إذا فكرت مثلا في تسكين كلمات البيت الأول من بيتي عنترة السابقين، وجعلته «فارتاع من وقع القنا بلبانه، وشكا إلي بعبرة وتحمحم» لأخللت بوزنه حتما وصيرته كلاما منثورا عاديا لا رونق له ولا روعة. ومن جهة أخرى فإن هذا العلاج إذا كان يزيل صعوبة الإعراب، فإنه لا يفيد شيئا في الصعوبة الآتية من تغير الصيغ والصور للكلمة الواحدة. فقد رأيت أن لفظ «قد» له صور مختلفة، ومهما سكنت آخره فلا يفيدك ذلك شيئا في بيان تلك الصور المختلفة وفهم مدلولها، وأظن أن حضرة الفاضل صاحب الفكرة لاحظ ما عليها من هذه الاعتراضات فلم يقدم بها اقتراحا للمجمع.
إن مجلس المجمع - لآخر مرة - أحال على لجنة الأصول اقتراحا قدم له خاصا بتيسير كتابة العربية، وتلك اللجنة ندبت من بينها من يفحصون هذا الاقتراح، فاشتغل حضرة زميلنا الأستاذ علي بك الجارم بهذا الموضوع شغلا متواصلا يستحق كل حمد وثناء، ثم قدم للجنة تقريرا، أساس الفكرة فيه استبقاء رسم الكلمات العربية كما هو بحروفه المعروفة، وأن تكمل الحروف ذاتها في الكلمة التي هي منها بزوائد تدل على الكسر والضم والسكون والتنوين البسيط، وأن يلصق بالشدة المنونة حركاتها الثلاث، على أن كل حرف لا تزاد فيه علامة يعتبر مفتوحا، وفي التقرير استثناءات لبعض الأحوال.
اطلعت اللجنة على هذا التقرير فقدمت لها ملاحظاتي عليه شفهيا، ثم بالكتابة. كما قدم حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ إبراهيم حمروش ملاحظاته عليه كتابة. ومجمل هذه الملاحظات أن الرسم الذي فكر فيه الأستاذ الجارم بك يزعنف الرسم الحالي ويزيده ارتباكا، ويوقع في اللبس متى قورن ببعض طرق الكتابة الحالية. وأنه من الصعب تعويد التلاميذ إياه؛ لأنه فضلا عن ارتباكه، فإن من قواعده ما يتوقف على معرفة بعض قواعد الصرف ابتداء. وقد وعد الأستاذ بأن يدرس تلك الملاحظات مع بعض الاختصاصيين في فن الطباعة ويبدي للجنة رأيه الأخير، وكان ذلك قبيل عقد المؤتمر فلم يسعه تقديم تقريره طبعا.
2
على أنه لا محل لدرس هذه الملاحظات مع اختصاصيين أو غير اختصاصيين، فإن الناس في كتابتهم يستعملون الخط الرقعي عادة، على اختلاف بينهم في الجودة والقبح، وهذه المخطوطات الرقعية لا بد - طبعا - أن تتمشى عليها القواعد الجديدة، فلا يفيدهم عمل الاختصاصي في الطباعة فائدة ما.
لقد فكرت في هذا الموضوع من زمن طويل، فلم يهدني التفكير إلا إلى طريقة واحدة؛ هي اتخاذ الحروف اللاتينية وما فيها من حروف الحركات بدل حروفنا العربية كما فعلت تركيا.
أخطر هذا في بالي أني عقب أن أمر المرحوم مصطفى كمال باستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية التي كانت مستعملة في كتابة اللغة التركية، لاقيت أحد نظار المدارس الابتدائية بالأناضول، فسألته عما يكون أحدثه هذا الانقلاب في التعليم عندهم، فأخبرني أن اتخاذ الحروف اللاتينية وما فيها من حروف الحركات قد امتعض منه الأهالي في بادئ الأمر، ومنعوا أطفالهم من الذهاب إلى المدارس، فتلطف الأساتذة بهم مبينين لهم مزية هذا المشروع، ثم تدخلت الحكومة وابتدأ تعليم الأطفال اللغة مرسومة كلماتها بتلك الحروف، فكانت دهشة الأساتذة ودهشة الأهالي كبيرة؛ إذ وصل الطفل في شهرين أو ثلاثة إلى قراءة أي متن مكتوب بها قراءة صحيحة، وإن كان لا يفهم بعض المتون لأنها علمية أو فنية، لما ينضج عقله لإدراك معناها. وذلك من بعد أن كان الطفل عندهم يستغرق سنين في قراءة التركية مكتوبة بالحروف العربية ويصحفها بكل ضروب التصحيف على مثال ما هو حاصل عند أهل العربية من أطفال ورجال.
بقيت هذه الفكرة تشغل بالي إلى أن عرض - من نحو شهرين - أمر تيسير الكتابة على لجنة الأصول بالمجمع، وإذ كنت من أعضائها فقد أحببت أن أعرف ماذا عسى أن تكون تجربة تركيا في الست عشرة سنة الماضية، قد أظهرت من مساوئ هذه الطريقة أو من محاسنها؛ لأن النظر شيء والتجربة شيء آخر. فعمدت إلى المفوضية التركية، وهي آمن مورد يستقى منه الخبر، عمدت إليها على غير سابق معرفة بأحد فيها، فأنست بلقاء سعادة الوزير وحضرة السكرتير الأول واستطلعت طلعهما معا، فقال سعادة الوزير بحضور السكرتير ما حاصله: «أن طريقة الرسم الجديد قد أفادت أهل تركيا فائدة عظمى؛ إذ أصبح الطفل بعد قليل جدا من الزمن يستطيع قراءة أي كتاب قراءة صحيحة لا تحريف فيها وإن لم يفهمه. وأنه بفضل هذا الانقلاب قد زالت الأمية في تركيا تماما، أو كادت. وغاية الأمر أن الكتابة بالحروف العربية كانت كتابة اختزالية فيها اقتصاد في العمل وفي الوقت، أما الكتابة الجديدة فإنها، بسبب حروف الحركات وأشكال الحروف الأخرى، تستغرق عملا أكثر ووقتا أزيد.» ثم قال: «إن الضرر الحقيقي الذي شاهدناه هو أن الطريقة الجديدة قطعت الصلة بين الجيل الجديد وبين مخلفات السلف في العلوم والآداب والفنون.»
فقلت لسعادته أولا : «إن الطريقة التي أزالت الأمية في تركيا أو كادت، لا أهمية ألبتة لأن يكون فيها شيء من بطء في العمل أو تراخ في الوقت.» فأمن على قولي.
والواقع في هذا الصدد أن الأمور بمقاصدها، وأن كل تدقيق أو إتقان يستلزم بالبداهة العقلية من المدقق ومن المتقن عملا أزيد ووقتا أطول؛ فإن العالم المدقق والصانع المتقن يشتغل كلاهما أكثر من غير المدقق ومن غير المتقن، ويستغرق كلاهما زمنا أطول. ولا يستطيع أحد أن يزعم أن في التدقيق والإتقان محلا للملاحظة، لمجرد كونهما غير اقتصاديين في الفعل ولا في الزمن. على أن في الحق أن الكلمة إذا خلا رسمها عن علامات الحركة، من شكل أو حروف حركة، كان - كما أشرت إليه آنفا - رسما أبتر لا يشخص لفظها أمام العين تشخيصا استقلاليا مانعا من صدقه على كلمة أخرى. وهذا في ذاته نقص شنيع. ولو كان للكلمة أن تنطق لصاحت كحصان عنترة، متوجعة مطالبة بحقها من وجوب تصويرها للناس في صورتها الكاملة وإبرازها في ثوبها المقيس عليها، لا في صورة بتراء وثوب أقصر من قدها. فإذا كان في الرسم العربي اختزال فإن فيه ذلك الأذى البالغ الذي عمل رجل تركيا المرحوم مصطفى كمال على توقيه، وقد توقاه فعلا، فاستفادت تركيا تحديد طريقة أداء اللفظ وسرعة زوال الأمية، وهما فائدتان غاية في الأهمية والجلال، يحسدها عليهما العدو ويغبطها الصديق. على أن كل أمم أوروبا وأمريكا - وهي أرقى الأمم المتحضرة في العالم - لم يخطر ببال فرد من أفرادها أن حروف الحركات معوقة لرسم لغاتها، وأن من اللازم حذفها اقتصادا في الوقت وفي الزمن.
Página desconocida