Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Géneros
e
كما ينطق بهما الفرنسي أو الألماني أو الطلياني، كل في لغته. ولم نر أن تعدد تلك الحروف مع تجاور ديار تلك الأمم خلط لغاتها بعضها ببعض، فجعل ما ينطق به في بعضها كفتحة أو ضمة أو كسرة خفيفة قد غرر بأهله، أو أعدى الجيران فنطقوا به ممدودا، فأفسدوا لغتهم وما لشعرهم من الأوزان. أظن أن قول سيدي في هذا الصدد هو الفاسد، وأنه مجرد تهويل. فأرجو إعفائي من مثله، ومما تقول من أن اللاتينية قد كتبت بها السودانية والتركية فأفسدتهما.
إذا كان أحد كبار السودانيين قد أخبرك بهذا - كما تقول - فلا بد أنه وقفك على جلية الخبر. ولا بد أنه أعلمك ما وقع وما هو واقع الآن في السودان القريب من خط الاستواء في مناطق تسكنها قبائل الدنكا، والشلوك، والنوير، والنيام نيام، وغيرها، وكلها قبائل همجية لا تتكلم العربية، بل لكل منها رطانته الخاصة التي لا قيمة لها في الوجود. تلك القبائل قد تسلل بينها المبشرون - كما سمعت أخيرا - وأرادوا ضبط رطانتهم بالكتابة ليتعلموها هم ويعلموهم كتابتها، فضبطوها بالأحرف اللاتينية، فتشوه النطق بها طبعا؛ لأن هذه الأحرف وحدها لا يمكن أن تؤدي النغمات الخاصة بتلك الرطانات. والقسس المبشرون أنفسهم لا يستطيعون تصريف ألسنتهم بها، فهم يكتبونها بالاجتهاد. ولا يهمهم أن تتشوه أو لا تتشوه؛ لأنها لا قيمة لها في ذاتها على أية حال. ولئن صح ما سمعته أنا من هذا - وقد لا يبعد أن يكون صحيحا - فأين ما نحن فيه من عمل المبشرين ذاك؟ وكيف يسمح سيدي أن يدخل هزل العمل في جده، فيحتج بتلك الرطانات؟
أما التركية فأرجوك أن تسمع أهلها - لا الناقمين ولا المشردين - لتعلم كيف أفادوا من تعديل رسم لغتهم أكبر الفوائد، وأن نطق لغتهم لا زال هو هو على ما كان عليه. وهل كان الرجل التركي في عهد الرسم العربي يستطيع أن ينطق النغمات الخاصة بالعربية؟ ألم يكن ينطق الثاء سينا، والجيم المعطشة تارة مفشوشة وأخرى مكزوزة كأنها تاء وشين، وينطق الحاء هاء، والذال والضاد زايا، والطاء تاء، والظاء زايا مفخمة فقط، والعين ألفا، والقاف كافا؟ فنطقهم لا زال هو هو. يتحكمون بلوكتهم القومية في الحروف اللاتينية كما كانوا يتحكمون بها في العربية. فدعنا من الكلام الغير المفيد.
خامسا:
إنك في صدر مقالك جعلت المسائل التي عولت على الكلام فيها أربعا، وقلت إن رابعتها هي: «هل في الإمكان درك نقص الحركات دون التجاء إلى الحروف اللاتينية؟» فاستبشرت أنا خيرا وقلت لنفسي: عل خروج الفصحى لبر السلامة يكون وقته قد حان. لكنك لم تتناول في أقوالك التي نشرت في ثلاثة أعداد من «الثقافة» آخرها الصادر في أول أغسطس سنة 1944 إلا المسائل الثلاث الأولى التي أوردت فيما تقدم كلامك فيها ورددت عليه. أما المسألة الرابعة، وهي ملاذ العائذين، وهدف الأهداف، وغاية الغايات، ومحط الرحال، فإنك أنزلت رحلك في الصحراء قبل أن تبلغنا محلها وتمتعنا بسنا محياها. إنك حين صرت منها على كثب أمسكت عن الكلام، وعللتنا بوعد مجرد لم تسم لإنجازه أجلا. قلت إنك «ستوافي المعارضين بما يرضي رغبتهم في جعل الكتابة العربية تدل على الحركات في أصل الكلمة بما يقطع دابر الإشكال.» حرام عليك ما أقساك! إنك بهذا حسبتنا كمونا إن فاته السقي أغنته المواعيد، بل تركتنا كمن يقف به المصعد بين طبقتين، لا إلى العليا وصل، ولا إلى السفلى يعرف كيف النزول. فهو خافق القلب مضطرب الحشا، حتى يشاء الله فيقيض له من ينقذه. أفيكون الأمر يا سيدي أنك أجهدت نفسك في كلام طويل مديد لمجرد استرهابي بالعلم والعلماء؛ حيث لا علم - كما بينته لك - ولا قيمة فيما نحن فيه لما تنقل من أقوال العلماء؟ ولماذا تسترهبي بغير الحق، وأنا - مع احترامي الكلي لك ولغيرك - لم يسبق لي التشرف بمعرفة شخصك الكريم، ولا جرت بيننا معاملة مما يوغر الصدور ويبعث على الترهيب؟ ألعلك لا تكون أنت مختارا في نشر كلامك، بل تكون ملهما فيه من بعض الأجلاء، وتكون في ذلك كبعض المعترضين علي من المصريين؟! قل لملهميك إنهم مخطئون، فإني أعرف فضلهم وسمو مكانتهم في أهلهم وعلو كعبهم في الآداب، ولا أكن لهم إلا كل احترام وإجلال. ومهما يكن من الأمر، فإني يا سيدي باق في انتظار إنجازك وعدك. وفي اليوم الذي يهديك الله إلى العثور على طريقة - غير الشكل وغير تلك الطرق التي ترى نماذجها هنا - تجعل كتابة الفصحى مستوفية ما ييسر لكل فرد من أية الطبقات أن ينطق بها على الوجه الصحيح، بلا لحن ولا خطأ ولا توقف أو إعمال فكر، بل كما ينطق الأجانب بالمكتوب من لغاتهم، في ذلك اليوم يا سيدي تراني على الفور ممزقا اقتراحي، دافنا أشلاءه في الأرض السابعة تهجينا له واستقباحا، ورافعا عملك إلى السماء السابعة إكراما له وتمداحا. وكل رجائي منك أن يكون إنجاز وعدك على هذا الوجه في يوم قريب.
والسلام على السيد ورحمة الله وبركاته.
المطلب الثالث
13
لما اتصل بعلم الجمهور أن المجمع اللغوي يبحث في أمر تيسير الكتابة العربية، قدم بعض من اهتموا بالأمر اقتراحات مشفوعة بنماذج تبين صورتها التطبيقية. ولما عرضت على اللجنة المختصة أهملتها جميعا، ما عدا اقتراحا لحضرة الأستاذ علي الجارم بك، فإنها استبقته ريثما يدخل عليه ما يرى من التحسين، بعد رجوعه إلى الاختصاصيين في فني الرسم والطباعة. ثم انتهى الأمر بتقديمه لمؤتمر المجمع في الدورة الماضية التي انفضت في آخر فبراير سنة 1944. والمؤتمر قرر إرجاء البت فيه لدورته المقبلة، آملا أن يتقدم الجمهور باقتراحات أخرى فتتخير اللجنة أمثلها وتعرضها على المجلس ثم عليه للتصرف.
Página desconocida