Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Géneros
أهم ما شغل مؤتمر المجمع
العربي، ولقد تزاحم لديه مذاهب ثلاثة تستبق جميعا لهذه الغاية. أحدها يرى أربابه، وهم كثيرون، سد هذا النقص الطبيعي برداء من جلد القنفد الشائك أو من سلخ الأخطبوط، يلصق بالغراء على بشرة المريض فتبرأ علته بإذن الله. والعقل والحس يقضيان بألا شيء من جلود القنافد ولا سلوخ الأخطبوطات بناجع؛ لأن المرض راجع إلى أصل الخلقة الحسية، فكل لزقة تتصل بها لا تكون إلا من قبيل زيادة التشويه ومعالجة الداء بشر من الداء. والثاني يرى أن العلاج حاضر وهو «الشكل» المعروف الآن، ويقول أربابه إن هذا الشكل إذا كان مشوشا للكلمات عند استيفائه على كل الحروف، فإن القليل منه، الضروري لإزالة اللبس، كاف لشفاء العليل. والثالث مذهب هائج ثائر يغير الخلقة ذاتها، ويتخذ للرسم مثلا أجنبيا بعيدا عن المثال العربي بعدا تاما؛ وذلك في صورة اليأس المطلق من العثور على علاج له من جنسه.
امتعض الناس من المذهب الأول، وسكنوا شيئا من السكون للمذهب الثاني، وثاروا على المذهب الثالث. أما المؤتمر فقد ارفض بدون أن يبت برأي في الموضوع، وفي غضون ذلك حدث ما أوجب اضطراب المتسابقين في الميدان فاختلط الحابل بالنابل.
وعقب ارفضاض المؤتمر تفضلت كلية الآداب بجامعة فؤاد فاحتفلت بأعضائه غير المصريين تقديرا لمساعيهم في خدمة العربية. وبعد الاحتفال بزمن وجيز علمت أن أحد حضرات الأساتذة بالكلية سيلقي محاضرة في الخط العربي وعيوبه ومزاياه. فشاقني الاستماع إليه؛ إيقانا بأن الكلية وأساتذتها خير من يشخصون الداء ويصفون الدواء. وإذ أقعدتني رقة الصحة عن الاستماع للمحاضرة فلقد ألححت على إدارة المجمع في الحصول على صورة منها فلم تظفر، وقيل إنها ستنشر في مجلة الثقافة، فاستبشرت وقلت في نفسي كأن المحاضر لا يريد إخراجها للناس بعبلها وغبارها، بل يريد أن يكمل منها الناقص ويصلح المائل. وإنها ستخرج تحفة من تحف الفن، وآية من آيات التشخيص والعلاج، تحق الحق وتبطل الباطل، وتكون فيصلا يقطع قول كل لدود.
انتظرت بفارغ الصبر إتمام نشر تلك المحاضرة التي استغرق نشرها شهرا كاملا. بيد أني كلما قرأت جزءا قلت لعل فيما بعده ما يغني ويقني. فلما تمت الأجزاء نشرا أردت تحصيل ما فيها فصفرت يدي؛ إذ كل الذي وجدته كلام طويل عريض متصيد من هنا ومن هناك، على غرار ما أقوله أنا وغيري من الاختصاصيين، بل كأني خرجت من التلاوة وفي ذهني أنها تقوم على أساسين راجع كلاهما إلى التقديرات الشخصية التي مبعثها شغف المرء بنفسه وبصناعته وبعادته، وعلى الأخص حبه الإخلاد إلى الراحة ونيل حسن الأحدوثة بمتابعة ميول الجماهير؛ إذ النقط الأساسية ينحرف التعبير فيها يمنة ويسرة بلا مقتض ظاهر سوى ما يحسه القارئ من تلك الدوافع الشخصية. وإليك البيان:
الأجزاء الثلاثة الأولى خاصة:
أولا:
ببيان ما قام منذ القدم من الضرورات الماسة لوضع رسم خارجي لما يقوم بالخواطر من المعاني المختلفة، ثم لتقييد ألفاظ اللغات . آمنا وصدقنا، لا لأن الجاحظ أو غير الجاحظ قاله، بل لأن هذه ضرورة ماسة واقعة يدركها كل إنسان، سواء أرادها الجاحظ وغيره أو لم يريدوها، لاحظوها فدونوها أم لم يلاحظوها ولم يدونوها. وليس هؤلاء المفكرون إلا مجرد مسجلين للواقع المقضي بالضرورة. وهذا التسجيل أستطيعه أنا وأنت وكل عالم متمكن وكل ناقص التعليم. غاية الأمر أن الجاحظ وقليلا غيره من رجال العربية كانوا أدق منا ملاحظة، وأشمل إحصاء، وأكمل استقصاء، وأنور فكرا، وأسلس قلما.
ثانيا:
بتقرير أن الرسم العربي أصله نبطي، وهو تقرير يستطيعه كل إنسان يعرف أية لغة أجنبية فيطلع على معجم من معاجمها المطولة أو على موسوعة من موسوعاتها، ويستطيعه أي قارئ للعربية فقط إذا اطلع على رسالة «أصل الخط العربي» للأستاذ خليل يحيى نامق، من علماء الكلية؛ فقد أورد فيها أن الخط العربي من وضع النبطيين، وبين من هم أولئك النبطيون وما تاريخهم، وذكر بالتفصيل أدلة نسبة الخط العربي إليهم. ولكنه في رسالته هذه التي نشرت في سنة 1935 كان حكيما منصفا، أعطى كل ذي حق حقه، ولم يترك الأمر غفلا سبهللا يضلل القارئ، فيجعله يظن أنه هو أو غيره من أساتذة كلية الآداب بجامعة فؤاد هم الذين كشفوا هذه الحقيقة. كلا بل إنه عزاها لكاشفيها، وهم المستشرقون من الفرنسيين والإنجليز والألمان، وسماهم بأسمائهم.
Página desconocida