قال: «لا تديري دفة الحديث يا كارلا.»
وحتى بعد أن دخلت بالفعل لتأخذ حمامها وقف هو خلف الباب وقال لها: «لن أسمح لك بالهروب من مسئولياتك يا كارلا.»
اعتقدت كارلا بعدما انتهت من حمامها أنه ربما لا يزال واقفا في مكانه، ولكنه عاد ليجلس أمام شاشة الكمبيوتر. ارتدت ملابسها كما لو أنها ذاهبة إلى المدينة، وأملت في أنهما لو تمكنا من الخروج وذهبا إلى المغسلة، وجلسا في أحد المقاهي، فمن الممكن حينها أن يتحدثا بأسلوب مختلف، وأن تخف حدة التوتر ويسود بعض الهدوء. اتجهت نحو غرفة المعيشة بخطوة رشيقة وطوقته بذراعيها من الخلف، ولكن بمجرد أن فعلت ذلك اعترتها موجة من الحزن - ربما كانت حرارة المياه هي ما جعلتها تطلق العنان لدموعها - وانحنت أمامه وهي تبكي منهارة.
رفع يده عن لوحة المفاتيح، ولكنه لم يحرك ساكنا.
قالت: «لا تغضب مني.»
رد قائلا: «لست غاضبا، أنا فقط أكره تصرفك على هذا النحو، هذا كل ما في الأمر.» «إنني أفعل هذا لأنك غاضب.» «لا تملي علي الحالة التي أنا عليها، إنك تخنقينني. فلتعدي طعام العشاء.»
كان هذا هو ما قامت به بالفعل؛ إذ كان من الواضح أن متدرب الساعة الخامسة لن يأتي. أحضرت حبات البطاطس وشرعت في تقشيرها، ولم تتوقف دموعها عن الانهمار، حتى إنها لم تكن تتبين ما تفعله. جففت وجهها بمنديل ورقي، ثم سحبت منديلا آخر لتأخذه معها وذهبت للخارج وسط الأمطار. لم تتجه نحو الإسطبل؛ لأنه كان كئيبا دون فلورا، بل سارت عبر الممر في اتجاه الغابة، وكانت الخيول في الحقل الآخر، وقد اقتربت من السياج لمشاهدة كارلا. وكانت كل الخيول - ما عدا ليزي التي أخذت تثب بأرجلها وتصهل - تفهم جيدا أنها تركز انتباهها في مكان آخر. •••
بدأ الأمر كله عند قراءة ذلك النعي؛ النعي الخاص بالسيد جاميسون. لقد كان ذلك في جريدة المدينة، وعرضت صورته في أخبار المساء. قبل هذا بنحو عام لم يعرفا عن عائلة جاميسون سوى أنهم بعض الجيران المنغلقين على أنفسهم. كانت السيدة جاميسون تدرس علم النباتات في الجامعة التي تبعد عن مسكنهم بنحو أربعين ميلا؛ لذا كان عليها أن تمضي وقتا طويلا في الطريق، أما السيد جاميسون، فقد كان شاعرا.
كان الجميع يعرفون عنهم نفس القدر من المعلومات، إلا أن السيد جاميسون بدا مشغولا بأشياء أخرى؛ لقد كان قوي البنيان صارما ويتميز بالنشاط والخفة برغم كونه شاعرا ورجلا متقدما في العمر، ربما يكبر السيدة جاميسون بنحو عشرين عاما. كان قد طور نظام الصرف بمنزله، ونظف المجرى المائي وفرشه بالصخور، وحرث حديقة المنزل وزرعها بالخضراوات وأحاطها بسياج، علاوة على أنه حفر ممرات عبر الغابة، وكان يعتني بكل ما هو بحاجة للإصلاح في منزله.
لقد كان منزلهم ثلاثي الأضلاع على نحو غريب، شيده بمعاونة بعض أصدقائه منذ سنوات عدة على أطلال بيت مزرعة قديم. وقد قال عنهم البعض إنهم من الهيبيز، رغم أن السيد جاميسون كان كبيرا في السن لدرجة لا تسمح له بأن ينتمي لهذه الحركة الشبابية، حتى قبل وجود السيدة جاميسون. وهناك قصة أخرى يتداولها الناس عن زراعتهم لمخدرات الماريجوانا في الغابة، وقيامهم ببيعها، وإخفاء النقود في برطمانات محكمة الغلق من الزجاج مدفونة حول مسكنهم. سمع كلارك بهذه القصة من أشخاص تعرف عليهم في المدينة، ولكنه عقب بأن ذلك ما هو إلا هراء.
Página desconocida