لم يأت أحد لتلقي دروس الفروسية وتعلم ركوب الخيل عبر الطرق الوعرة، بالرغم من أن كلارك وكارلا جابوا حول المدينة واضعين الملصقات في كل المخيمات، والمقاهي، واللوحات الإعلانية المخصصة للسائحين، وفي أي مكان آخر يرد على أذهانهم. ولم يأت للدروس سوى بضعة تلاميذ، وكانوا من المجموعة التي تتردد بانتظام، وليسوا من مجموعات أطفال المدارس التي تمضي عطلاتها الصيفية، أو ممن تقلهم الحافلات من المخيمات الصيفية ، وهو ما جعلهم مشغولين كثيرا خلال الصيف الماضي. وحتى طلاب تلك المجموعة المنتظمة التي كانوا يعتمدون عليها، كان منهم من يأخذ إجازة من الدروس من أجل القيام برحلات أيام العطلة، أو من كان يلغي ببساطة تلك الدروس بسبب أحوال الطقس غير المشجعة، وإذا ما حدث واعتذر أحدهم في وقت متأخر، فإن كلارك كان يطالبه بثمن الوقت المهدر على أي حال. وحدث أن تذمر اثنان منهما، وغادرا بلا رجعة.
ولكن لا يزال هناك بعض الدخل يأتي إليهم من وراء العناية بثلاثة خيول. وكانت تلك الخيول الثلاثة، إضافة إلى الخيول الأربعة التي يمتلكونها تتجول بالخارج الآن، وتجوب بحرية في الحقول وسط الحشائش التي تظللها الأشجار. وبدا وكأنها لا تهتم بملاحظة توقف الأمطار في تلك اللحظة، وهو ما اعتادت عليه لبرهة في معظم الأيام خلال فترة ما بعد الظهيرة. أضحت السحب أكثر بياضا وصفاء، وسمحت بتخلل بعض الضوء خلالها بما يكفي لترتفع المعنويات، ولكنه ضوء خافت لا يصل إلى درجة إشراقة الشمس، بل سرعان ما يذوي قبل موعد العشاء.
انتهت كارلا من إزالة الروث من الإسطبل. واستغرقت وقتها المعتاد - فهي تهوى إيقاع أعمالها الروتينية اليومية، والمسافة العالية أسفل سقف الإسطبل، والروائح المنتشرة في المكان - وها هي قد ذهبت الآن لتتفقد حلقة التدريبات وترى مدى جفاف الأرض، وذلك في حال قدوم تلميذ الساعة الخامسة للتدريب.
معظم الأمطار التي تهطل بانتظام ليست أمطارا غزيرة على وجه الخصوص، ولا تصاحبها أي رياح، غير أنه حدث في الأسبوع الماضي أن نشطت الرياح نشاطا مفاجئا، وأعقبها هبوب عاصفة شديدة راحت تهز قمم الأشجار العالية وصاحبها هطول أمطار غزيرة. وفي غضون ربع ساعة، كانت الرياح قد هدأت، ولكن سقطت من جرائها بعض فروع الأشجار وتمددت بعرض الطريق، وهوت خطوط الطاقة الكهربائية المائية، وتمزق جزء كبير من السقيفة البلاستيكية التي تظلل حلقة التدريب. وتجمعت المياه مكونة بركة صغيرة أشبه بالبحيرة في نهاية مضمار التدريب، وعكف كلارك على العمل إلى ما بعد حلول الظلام وهو يحاول حفر قناة لتصريف تلك المياه .
ولم يقم كلارك بإصلاح السقف إلى الآن، ولكنه وضع سياجا من الأسلاك حول حلقة التدريب حتى لا تدلف الخيول وسط الأوحال، ووضعت كارلا علامات جديدة لتحديد مضمار أصغر للتدريب.
جلس كلارك يبحث عبر مواقع الإنترنت عن مكان يبتاع منه سقيفة، كأحد منافذ بيع الأشياء المستعملة، التي تعرض أسعارا في متناول أيديهما، أو عن طريق شخص ما يريد الاستغناء عن مثل هذه المواد ويعرضها للبيع. فهو لن يذهب إلى متجر هاي آند روبرت باكلي لمواد البناء في المدينة، والذي يطلق عليه متجر اللصوص والمنحرفين على الطريق السريع؛ فهو يدين لهم بالكثير من المال، علاوة على أنه قد تشاجر معهم من قبل.
ولا يتشاجر كلارك مع الأشخاص الذين يدين لهم بالأموال فحسب؛ فأسلوبه الودود الكيس، والذي يكون رائعا في البداية، قد ينقلب فجأة إلى غضب شديد؛ فهناك على سبيل المثال بعض الأماكن التي لا يمكن أن يذهب إليها بسبب شجار ما، ويجعل كارلا تنوب عنه في ذلك. ومن بين هذه الأماكن متجر الأدوية؛ فقد حدث ذات مرة أن دفعت سيدة عجوز نفسها في صف الانتظار وتقدمته - كانت قد عادت لتأخذ شيئا نسيته ورجعت مرة أخرى ودفعت بنفسها للأمام بدلا من أن تقف في نهاية الصف - وعندئذ تذمر كلارك واشتكى، فقال له الكاشير: «إنها تعاني من انتفاخ الرئة.» فقال كلارك: «أحقا هو الأمر كذلك؟ وأنا عن نفسي أعاني من البواسير.» واستدعي المدير المسئول وقال إن هذا ليس له داع على الإطلاق. وفي المقهى الذي يقع على الطريق السريع لم يحصل على الخصم المعلن عنه على وجبة الإفطار؛ وذلك لأن الساعة كانت قد جاوزت الحادية عشرة صباحا، واعترض كلارك على ذلك، ورمى قدح القهوة الذي طلبه على الأرض، والذي أوشك أن يصيب طفلا في عربته كما قال القائمون على المقهى، فأجابهم بأن الطفل يبعد عن القهوة مسافة نصف ميل، وأن قدح القهوة سقط من يده لأنهم لم يقدموه بالسوار الخاص به، فأجابوه بأنه لم يطلبه، فرد بأنه لا ينبغي له أن يفعل.
قالت كارلا : «إنك تستشيط غضبا.»
قال: «هكذا يتصرف الرجال.»
ولم تنبس ببنت شفة عن شجاره مع جوي تاكر. وجوي تاكر هي أمينة مكتبة في المدينة تحتفظ بفرسها لديهما ليوفرا لها العناية اللازمة. كانت الفرس كستنائية اللون، حادة الطباع، تسمى ليزي، وتطلق عليها جوي تاكر - عندما تكون في حالة مزاجية جيدة - ليزي بوردن. وبالأمس توقفت لتلقي نظرة على الفرس، ولم تكن في حالة مزاجية جيدة، وراحت تشتكي بشأن السقف الذي لم يصلح بعد، ومظهر ليزي الذي يبدو مزريا، كما لو أنها مصابة بالبرد.
Página desconocida