Guerras del Estado del Profeta (Parte Uno)
حروب دولة الرسول (الجزء الأول)
Géneros
ولنا أن نفترض بدء ذلك التحول عن قبض العشور إلى القبض على تجارة العالم، كانت المرحلة التي عمدت فيها قريش إلى إنشاء نظام الإيلاف بعد التقريش. ففي مرحلة التقريش كانت قريش تقبض عشورها، وما كان يعنيها كثيرا أمان الطريق؛ فهي تتاجر تجارتها البسيطة مع القادمين والآيبين، وتأخذ العشور من السارق والمسروق، ومن ثم تطور الأمر عندما أصبحت التجارة ملكا كاملا لها. ذلك التطور الذي استدعى السعي الجدي لتأمين تلك التجارة بنظام الإيلاف. وهي ذات المرحلة التاريخية التي نعتقدها مرحلة الفوز للصراع التنافسي التجاري؛ ومن ثم السيادي، داخل مكة ذاتها، والذي انتهى كما هو واضح بالمصادر الإسلامية، إلى سيادة مالية شبه كاملة للفرع الأموي، مع خسران واضح لأبناء عمومتهم الفرع الهاشمي.
ولنا أن نتصور ذلك التراكم المالي وهو ينزع عن الترانزيت إلى المركزية التجارية، ينمو من خلال خبر «الواقدي» وتأكيده أنهم كانوا يربحون في تجارتهم عن الدينار دينارا،
12
حتى بلغ رأس مال بعض القوافل مائة ألف دينار للقافلة الواحدة. ويمكن أن نعلم المدى الذي وصل إليه تضخم رأس المال القرشي من خبر سلعة واحدة، ترفيهية كمالية، هي الطيوب، والتي كان يطلب منها الروم والفرس في العام ما تصل قيمته إلى مائة مليون درهم.
13
أما قافلة «أبي سفيان» التي كانت سببا بعد ذلك في غزوة بدر الكبرى فقد أسهم فيها البيت الأموي بأربعة أخماس رأس المال. وكان لأسرة «أبي أحيحة» وحدها ما يصل إلى ثلاثين ألف دينار، وهي أسرة أموية، وذلك من مجموع أموال القافلة البالغ خمسين ألف دينار.
تحريم المواسم
وإضافة إلى الإيلاف بعد التقريش، تمكنت مكة، على المستوى الداخلي للجزيرة، من استقطاب القبائل المتناثرة في الباطن والأطراف لسوقها المركزي، بتكتيك تدفعه المصلحة، يتجاوز المفاهيم الدينية القبلية المتعصبة، فقامت تستضيف في كعبتها أرباب قبائل الجزيرة على تعددها وتناقضها؛ تلك الأرباب التي كانت في نظر أصحابها أسلافا صالحين. وكان الرب هو جد القبيلة البعيد وسيدها ورمزها، ومعبودها، وضامن وحدتها وتماسكها. فكانت تلك الضيافة لسادة القبائل ورموزها، ضيافة حسنة لكل القبائل، وسبيلا إلى التقريب بين القبائل بتجاور الأرباب من الأسلاف، في فناء معبد واحد، بحيث حاز كل رب نفس القدر من الحرمة. ولم تجد قبائل الجزيرة في تلك الضيافة غضاضة، بل رحبت بدورها بتلك الخطوة وسارعت إليها، وقد بدت تسييدا أوسع، ونشرا لأمر رب كل قبيلة خارج حماه، وخارج دائرة نفوذه القبلي وحدوده الإقليمية، مع الأخذ في الحسبان الاعتبار الأكثر أهمية، وهو انهيار الطرق التجارية الأخرى المارة بمواطن تلك القبائل في بقاع الجزيرة، مما أدى لسقوط معابدها وكعباتها وتدني شأن آلهتها، بفقدها الأساس الاقتصادي مع تحول طرق التجارة عنها، إضافة إلى التنامي الذي حققته الظروف لمكة، وهو ما أضعف شأن الأسواق الأخرى إلى حد التضاؤل والتهميش.
14
وعليه؛ فقد كانت ضيافة الكعبة المكية للأرباب القبلية، تأليفا آخر لقبائل الجزيرة جميعا، وهو ما ساعد على مزيد من تمركز التجارة بمكة، مع اتصال مكة بفروع للطرق نحو الأسواق الداخلية الضاربة في بطن الجزيرة. وزاد في المركزة التجارية والدينية والقبلية بل واللغوية لمكة ولهجتها القرشية، بعد أن أصبحت لغة قريش ذات السيادة والانتشار، فأصبحت مكة مزارا لكل العرب، وحاز موسمها التجاري الأكبر (موسم الحج) مكانة لا تضارع، بعد أن أصبح موسما لكسبهم وعبادتهم وسمرهم ومرحهم، حتى كادت مكة - على المستوى العرفي - أن تكون عاصمة لجزيرة العرب كلها.
Página desconocida