Guerras del Estado del Profeta (Parte Uno)
حروب دولة الرسول (الجزء الأول)
Géneros
والواضح إذن أن اللقاء التأسيسي كان حلفا محاربا وليس حلفا دافعيا عن النبي، وأن الحرب كانت هي القائمة، وكانت هي البند الأساسي، من أجل الهدف الأعظم؛ قيام الدولة الكبرى.
وبالفعل تمت الهجرة إلى يثرب، ولم يجد العنصر اليهودي في يثرب أية مشكلة في استضافة الخزرج لابن أختهم وصحبه، واحتضانهم لدعوتهم، تأسيسا على موقف عملي تكسبي، أدى إليه نجاحهم السابق في احتواء الهجرة اليمنية (الأوس والخزرج)، وتوظيفها لصالح مزيد من المكاسب، وترويجا لصناعتهم الحربية، وضعف المهاجرين الظاهر الذي لا يشكل أي خطر، وهي عوامل دعت للاطمئنان، وإمكان احتواء هذا الوافد الجديد، وهو الموقف الذي دفعت إليه وأذكته الآيات الكريمة التي سبقت الهجرة في الوصول إلى يثرب، تتحدث عن مكانة بني إسرائيل في التاريخ السياسي للمنطقة (مملكة داود وسليمان)، ومكانتهم في التاريخ الديني (مجموعة الأنبياء من نوح إلى إبراهيم وإسحق ويوسف وموسى ... إلخ)، بصياغة تكريمية عظيمة، تقدم احتراما واضحا أيضا للتوراة اليهودية، كما في قولها:
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور (المائدة: 44). ... إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة (الصف: 6).
هذا مع الاحترام حتى للتفاصيل التوراتية الصغيرة، وأخذها بالاعتبار، والإشارة إليها في الآيات، كتابوت الإله اليهودي «يهوه»، وكتابة الله لألواح موسى ... إلخ. ثم الموقف العملي للنبي عند وصوله يثرب، حيث استقبل قبلة اليهود في الصلاة، بل وصام الغفران، ثم عقد للنبي الصحيفة مع اليهود، للتعاون والأمن والدفاع المشترك، مع كفالة حرية الاعتقاد التامة، مع إعلان عن عدم التناقض الاعتقادي، وهو ما تنطق به آيات كثيرة، منها:
وهو الحق مصدقا لما معهم (البقرة: 91).
وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم (البقرة: 139).
وكان ذلك بالنسبة ليهود يثرب، لونا من ممكنات مستقبلية، تحول مركز الجزيرة وقلبها عن مكة إلى يثرب، وما سيعود نتيجة ذلك من منافع عظيمة، ومكاسب مادية جمة.
لكن الغني عن الذكر هنا، أن يهود يثرب وهم يهيئون أنفسهم للكسب، اكتشفوا - خاصة بعد بدر الكبرى - خطأ حساباتهم القاتل؛ حيث تحدد الموقف تماما بعدما كسبه المسلمون في بدر من قوة مادية ومعنوية، لم تجعلهم في حاجة إلى مثل ذلك التحالف النفعي، حيث أثبت التجار المهاجرون حذقا وحنكة بحكم الدربة والخبرة، مما جعلهم منافسين أقوياء ليهود يثرب، وقد دعم ذلك النجاح التجاري، ما لحق بأساليب المهاجرين التجارية من تهذيب قننه الإسلام، بحيث تناقضت مع طرائف اليهود الشبيهة بأساليب الملأ المكي، من احتكار للسلع، والمغالاة في الكسب، مع الكسب الربوي الذي بات محرما في قوانين الدولة الجديدة.
وهنا تأتي المرحلة الثالثة من مراحل تكون الدولة الإسلامية، بعد المرحلتين: الأولى بظهور السلطة النبوية في مكة، والثانية المتمثلة في بيعة العقبة الثانية. أما الثالثة فهي الواقعة بمجمل أحداثها ما بين الهجرة إلى المدينة وبين غزوة بدر الكبرى، كما ستبينها الأحداث التالية.
وفي بداية المرحلة الثالثة من مراحل تأسيس الدولة، وحتى يصبح ممكنا حل إشكاليات الفرقة القبلية بين الأوس والخزرج، قام النبي
Página desconocida