La Libertad Humana y la Ciencia: Un Problema Filosófico
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Géneros
هم على أية حال، خطوة واسعة على الطريق، وليس ينقص جهودهم الرائدة العظيمة إلا الاعتماد الرسمي لمبدأ اللاحتمية الكونية: أي اللاحتمية الأنطولوجية على أساس من اللاحتمية الإبستمولوجية، ذلك هو ما أحرزته ثورة العلم المعاصر بعد بضع سنين، أما بغير اللاحتمية الأنطولوجية فإما أن نصل إلى حرية بيرانية «نسبة إلى مين دي بيران» كحرية لاشيليه وفورييه، أي حرية في حقيقتها حتمية صارمة، وإما إلى حرية كانطية مفارقة كحرية رينوفييه الميتافيزيقية المجتثة الجذور بالواقع الأنطولوجي.
الفصل الخامس
نظريات الحرية في العالم اللاحتمي
(24) كفانا دورانا في الدائرة المفرغة أو نفخا في قربة مثقوبة، كما يقول العوام. المسألة أبسط من أن تستحق كل هذا سواء نظرنا من اليمين أو من اليسار، فلا حرية في العالم الحتمي. وإذا أردنا إثبات الحرية إثباتا متسقا مع العلم ومع العقل حتى ننفذ من طرفين كليهما مر: إما اللاحرية، وإما الانقسام على العلم والعقل وعلى النفس وعلى الواقع ... وإذا أردنا ذلك فإنه لا خروج البتة من بين طرفي أو قرني هذا المعضل، إلا بنفي أصلهما: نفي الحتمية الكونية.
بعبارة أخرى: لا حرية أنطولوجية إلا مع اللاحتمية، شريطة أن تكون لاحتمية إبستمولوجية وأنطولوجية في آن واحد، وليست لاحتمية إبستمولوجية فقط كتلك اللاحتمية الفرنسية.
ولكن، من أين وكيف نجيء بمثل هذه اللاحتمية؟ إنه الأمل المفقود مع العلم الحديث الكلاسيكي أو النيوتوني، والذي تحول إلى واقع أنطولوجي في العلم المعاصر ... علم النسبية والكوانتم، الحرية لا تأتي إتيانا حقيقيا إلا حين يكون الواقع أنطولوجيا لاحتميا، والعلم به إبستمولوجيا لاحتميا، فها هنا الحرية الحقيقية والحديث المشروع عنها، وعن كل أبعادها وإيجابياتها وعلى رأسها المسئولية الخلقية والجدة والإبداع.
لقد انتهى الفصل السابق بنهاية القرن التاسع عشر، معنى هذا، أنه يمكننا الآن أن نحط الرحال في القرن العشرين حيث نجد الطريق إلى الحرية الأنطولوجية معبدا ممهدا، إنه التمهيد الذي تكفل به تمهيد الكتاب أو المدخل الذي أوضح كيف انتقل العلم من الحتمية إلى اللاحتمية. ••• (25) سنستضيف الآن وطبعا بمزيد من الترحاب والتفصيل، أهم فلاسفة الحرية في العالم اللاحتمي، وتفرض طبائع الأمور أنهم فلاسفة القرن العشرين الآتي في إثر مد عقلي جعله يظفر باللاحتمية الأنطولوجية المؤسسة عقلانيا تأسيسا راسخا مكينا على لاحتمية إبستمولوجية، هذا حق ولكن ثمة طبيعة أخرى للأمور لا تقل حقيقية، وهي أنه لا شيء ينبت من فراغ والبحث عن الأصول التاريخية مهمة أساسية في كل بحث فلسفي متكامل.
وهذه على أية حال مهمة لن تصعب علينا؛ إذ نجدها في صفاء بلوري مع، وفقط مع، أبيقور وبصورة معجزة، حتى إن أساسها اللاحتمي يبهر العلماء المعاصرين، والحرية فيها واقعة أنطولوجية أكيدة، ولم يلق أبيقور إلا الاستخفاف والاستهانة إن لم نقل الازدراء، فقبع في زاوية مهملة من تاريخ الفلسفة وراحت الحرية في غياهب الليل الحتمي الطويل، والذي فصلنا الحديث عنه فيما سبق أيما تفصيل.
وبعد أبيقور نغادر الأصل التاريخي، لنقبل على إشراقة اللاحتمية في القرن العشرين، فيأتي أهم فلاسفة الحرية وليام جيمس المخضرم الذي عاش حياته في قلب مرحلة الانتقال من الحتمية إلى اللاحتمية العلمية، إنه فيلسوف عظيم وعالم في الوقت نفسه، أخلص للفلسفة إخلاصه للعلم، وأبدع فيها وأسدى إليها وأضاف إليها، حتى إنه بفضله قد أصبح ثمة أخيرا كيان مستقل ذو شخصية متميزة تماما ألا وهو الفلسفة الأمريكية؛ لكل هذه العوامل أوليته عناية كبيرة.
وبتوديع وليام جيمس، نتوجه إلى قلب القرن العشرين إلى عصر اللاحتمية، ولما كان العلم هو صاحب الفضل في هذه اللاحتمية، ولما كنا علميين نبحث عن الحرية من المنظور العلمي، ولما كنا قد أهملنا - إلى حد ما - العلماء خصوصا الفيزيائيين طوال حديثنا السالف عن الحرية وبعد أن تعاهدنا وتعاقدنا معهم في مقدمة البحث على أن يكون لهم حق الحديث أولا ونحن لا نريد أن ننسخ العقد ولا أن ننقض العهد ... لهذه العوامل سنعرض لنظريتين فلسفيتين للحرية في العالم اللاحتمي هما لعالمين فيزيائيين عظيمين، ذوي اهتمامات فلسفية لا تقل عظمة، إنهما آرثر إدنجتون وهولي كومتون، ثم نردف هذا بالنظرية العامة للحرية في العالم اللاحتمي، غير المقترنة بفيلسوف معين، إنها الاتجاه الفلسفي الموسوم باسم
Página desconocida