La Libertad Humana y la Ciencia: Un Problema Filosófico
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Géneros
فإذا كانت هذه العلة هي الدوافع السيكولوجية السوية وخصائص وبنية الشخصية وبالتالي العواطف والاتجاهات والقرارات والأفعال التي تصدر عن هذه الخصائص والبنية، كان معلولها صادرا تلقائيا عن الذات وبالتالي هو فعل حر مسئول، و«بدا لأقطاب الحتمية الرخوة أنهم بهذا أنقذوا الحرية الإنسانية وأنه من الممكن أن نكون حتميين وفي الوقت نفسه إنسانيين، فاستطاع مل أن ينادي بالحتمية، وفي الآن نفسه بالمسئولية الخلقية، وبمشروعية رغبة الإنسان في أن يطور شخصيته وأن ينزع إلى مستقبل أفضل، وهذا ما تنفيه الحتمية الصارمة».
20
فهل نجحوا حقا في إنقاذ الحرية؟ الإجابة بالنفي، فكما قال راسل، نحن نفعل ما نرغب، ولكننا لا نستطيع أن نرغب فيما نرغب فيه، لأنه محتوم بالقوانين الحتمية، وليست تعني الحتمية السيكولوجية إلا أن التلقائية هذه حيثية من حيثيات الحكم بأن الشعور بالحرية مجرد وهم؛ لذلك فالرخاوة لم تصب الحتمية، بل أصابتهم هم وأصابت موقفهم الفلسفي، «فهم لم يعتنوا بتوضيح العلاقة بين الدوافع السيكولوجية والأفعال كما صنع دعاة الحتمية الصارمة الذين لم ينكر أحد منهم أن الرغبات والجهود الإنسانية تحدث تغييرا في سياق الأحداث، فيمكنهم أن يقولوا لأصحاب الحتمية الرخوة: إنكم على حق في التمسك بأن الأفعال معلولة للرغبات ولكنكم لم تتعقبوا المسألة إلى ما فيه الكفاية، بل توقفتم توقفا تعسفيا عند الرغبات، وهذا خطأ، إذ يجب أن تستأنفوا الطريق وتسألوا: من أين وكيف أتت هذه الرغبات؟ وإذا كان ثمة حتمية فمن الواضح أنها هي التي أتت بها».
21
إذن فقد حق حكم برلين عليهم بأنهم لم يحلوا المشكلة، بل أزاحوها خطوة إلى الوراء، وأن نظريتهم ببساطة متغير من متغيرات الحتمية الكونية العامة التي تستبعد الحرية المسئولية، تماما كما تستبعدها الحتمية الصارمة في أقوى متغيراتها؛ لذلك وصفها كانط بأنها خدعة بائسة، أما وليام جيمس، فقد وضع لها المصطلح الذي شاع لها عند أنصارها فيما بعد - أي الحتمية الرخوة
Soft Determinism
22 - وذلك لكي يسميها بأنها مستنقع للتملص والمراوغة.
23
فلنودع كل هؤلاء الحتميين، بعد أن رأيناهم يودعون الحرية الإنسانية، وإلى غير لقاء. ••• (16) «نفي الحرية»: إبعادها من دائرة الحتمية: نحن الآن بإزاء علية القوم وأعاظم الفلاسفة ذوي الخلق الفلسفي الرفيع الذي جعلهم يأبون أن يخدعوا الحتمية بحرية لا تنطلي عليها، أو العكس. وفي الآن نفسه أبوا أن يخدعوا العالم بأن يشككوا في خبر العلم، فتركوه أسيرا للحتمية العلمية، وراحوا يبحثون عن ملاذ خارج دائرة العلية يودعون فيه الحرية الإنسانية آمنة من غوائل الحتمية، بعبارة أخرى: هم باحثون عن نطاق يند من سطوة العلم، ولا تتطاول إليه قوانينه، وهي ذات اليد الطولى، فأين يا ترى يقع مثل هذا النطاق؟ إنه خارج نطاق الكون الفيزيقي الضام لأبعد نجوم السماء وأضأل حبات الرمال، والإنسان المحصور بين هذا وذاك، فلا يبقى إلا أعمق أعماق الإنسان فهذه منطقة مجهولة.
ومحاولات الفلاسفة لنفي الحرية، وإيداعها في هذه المنطقة العميقة السحيقة، أو الترانسندنتالية المتعالية، هي كبريات نظريات الحرية المقتولة بحثا ودراسة والمشهورة جدا في سائر الأوساط الفلسفية، فهي نظريات الحرية المنتسبة إلى عمالقة الميتافيزيقا، ومع هذا فإن أصلها مغمور، فقد أتت أولى محاولات الفرار بالحرية من عالم العلم الحتمي، لفيلسوف إيطالي من عصر النهضة، لا يرد ذكره كثيرا، إلى أن جاء أرنست كاسيرر ليكشف النقاب عن دوره العظيم في مسيرة العلم والفلسفة على السواء، إنه الكونت جيوفاني بيكو ديللا ميراندولا
Página desconocida