La Libertad Humana y la Ciencia: Un Problema Filosófico
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Géneros
ويأتي الرواقيون: في صدر القائمة، وقد رأينا أن الحتمية أصبحت معهم لأول مرة مفهوما جامعا مانعا للطبيعة والإنسان معا، إنهم آمنوا بشمولية القانون الكلي واستحالة الإفلات منه فيغدو سبيل الخلاص الأوحد هو الاتحاد بالضرورة الكونية والاندماج فيها عن وعي خير من أن يحدث هذا بغير وعي، فلا بد وأن يحدث على أية حال، فأصبحت الحرية هي الوعي بالحتمية، أي الإدراك والاعتراف الصريح بنفيها وبالطبع لا مسئولية، فقامت أخلاقياتهم على موافقة العقل الصريح، «والرجل الفاضل الحكيم الذي تسير حياته كلها وفقا للعقل الصريح إنما يحيا وفقا للطبيعة الخاصة والعامة، وهو مواطن هذا العالم يقبل طوعا كل ما يأتي به القدر من أحداث، حتى المصائب والنكبات، معتقدا أنها داخلة في النظام الكلي والقضاء الإلهي، الرجل الخبيث على عكس ذلك على خلاف مع نفسه ومع الموجودات جميعا وهو أجنبي في المدينة العظمى: العالم، ومع ذلك فالرجل الشرير مهما يتمرد على القدر فلا جدوى من تمرده؛ لأن جهوده للتخلص من الأقدار إنما تسوقه حيث أرادت الأقدار».
1
سلم أهل الرواق بأن الحرية هي غياب العوائق أمام تحقيق رغبات الإنسان، ولكن إذا كانت درجات الحرية هي دالة تحقيق هذه الرغبات فأنا أستطيع زيادة الحرية بحذف الرغبات التي قد يعاق إشباعها، وهذا ما حققه إبكتيتوس حين قال إنه وهو العبد أكثر حرية من سيده، وبغياب العقبات ونسيانها أصبح على غير وعي بها، وبالتالي أصبحت غير موجودة، وهكذا فعل القطب الرواقي بوزيدونيوس - الذي مات عن مرض خبيث وقال: افعل كل ما تشاء أيها الألم! ومهما فعلت فلن تستطيع أن تجعلني أكرهك. وهو بهذا كما لاحظ شيشرون يتحد مع الطبيعة التي تدخل في ذات الهوية مع العلة الكونية، لقد جعل ألمه حتميا، ومن ثم يكون الاتحاد به هو الحرية بعينها.
2
فراح الرواقيون يتحدثون عن حرية مطلقة معروفة في البوذية وفي أديان أخرى ولناس بلا دين، إنها حرية الاعتصام بالنفس والالتجاء إليها وبالتالي التحرر التام من العالم الخارجي، وفكرة الحكيم الذي يلتمس الحرية والأمن في أعماقه وعن طريق وأد الذات فكرة تنشأ حين يقسو الواقع الخارجي.
3
وتنطبق على الحرية بمستوييها، على المستوى الأول يقسو الواقع الأنطولوجي بسبب تصور الحتمية الكونية، وعلى المستوى الثاني قد يقسو الواقع الاجتماعي على الإنسان بسبب أحداث العصر واضطراب الظروف السياسية والاجتماعية ... إلخ؛ ونظرا لحتمية الرواقيين من ناحية، وقسوة ظروف عصرهم الهلينستي من الناحية الأخرى، فمن الطبيعي إذن أن يلجئوا إلى هذا التصور للحرية الذي ينفيها على كل مستوياتها.
وإذا غادرنا الأصول التاريخية ودلفنا مباشرة إلى أجواء العلم الحتمي، أي إلى الفلسفة الحديثة، فسوف نجد أشهر وأقوى صورة لنفي الحرية بمنتهى الإصرار والتأكيد بلا مواربة أو مداورة، مع أكثر الفلاسفة طرا في المواربة والمداورة؛ مع سبينوزا (راجع حديث المدخل عنه)، وحسن أن يأتي سبينوزا في أعقاب الرواقية، فثمة فكرة شائعة تجعله رواقيا، بسبب من التشابه الشديد بين أخلاقياته وأخلاقياتهم واشتراكه معهم في مادية كل شيء والحتمية الصارمة وبالتالي نفي الحرية، وفيما عدا هذا فهو ليس رواقيا.
لذلك نعرج على رأي هامبشير الذي رآه أبيقوريا من حيث إنه تابع للوكريتوس في تأكيده على أن الإنسان يمكنه أن يتكيف مع العالم الفيزيقي كجزء منه، لا متعال عليه، هذا في مواجهة خلفية ضخمة ترى الإنسان ظاهرة خارقة للطبيعة .
4
Página desconocida