La Libertad Humana y la Ciencia: Un Problema Filosófico
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Géneros
وهي بهذا تختلف عن تلقائية حركة الدوامة عند ديمقريطس من حيث إنها أصل كل شيء، فلا تكون المصادفة مقحمة لحل مشكلة الحرية، بل هي مصادرة أساسية لفلسفة آلت على نفسها أن تمزق جدران الحتمية.
يقول جان فال إن الكثيرين قد دأبوا على الإطاحة بنظرية أبيقور في الحرية، على أساس أن المصادفة حين يتم تحليلها أو يتحقق العلم الشامل بظروفها سوف تختفي، ثم إنها ترجع في النهاية كما أثبت أرسطو إلى عمل علل آلية، وكل ما في الأمر أنها علل مجهولة،
34
وهذا الأساس المزعوم لا يعدو أن يكون حيلة الحتميين البائدة في مواجهة كل مصادفة واحتمال ولاحتمية بالتفسير الذاتي، أي بالإرجاع إلى جهل الذات عن إدراك العلل المحتمة.
وبهذا تتبلور حقيقة كل النقد السالف لأبيقور: إنه يدور في متاهات الحتمية، وعجز عن الخروج من بين قضبانها، التي ترين على صدورهم وعقولهم، بينما استطاع أبيقور أن يقوضها منذ أكثر من ألفين من السنين؛ ولهذا فقط - أي لأنه فيلسوف اللاحتمية - استضفناه على الرحب والسعة، ومن غير المعقول أن نستمر في الدوران حول الحتمية بعد كل ما بذلناه في الفصول السابقة.
بالتحرر التام من وثن الحتمية ننتهي إلى أن مبدأ الانحراف الذري، صورة الأبيقورية، غير مقحم على فلسفته بل متسق معها واتسقت هي معه، فهو مصادرة أساسية لها إما عن المبدأ في حد ذاته من حيث كونه بلا بينة أو برهان مقنع، ففي الرد على هذا نسأل: لماذا ندعي أن الذرات تتحرك أصلا وأن من طبيعتها تلك الدوامة التي قال بها ديمقريطس؟ وليس ثمة ضرورة في تكون حركة الذرات مستقيمة ولا حتى ثمة براهين على هذه الاستقامة والتي لم يعترض عليها أحد في حد ذاتها، فلماذا يعترضون على الانحراف الذري؟ ولماذا لا يكون كالحركة نفسها، أي مبررة بغير علة؟ وما الفارق بينه بين قول الرواقيين مثلا إن كل الأشياء تتجه نحو المركز؟ وبالمناسبة، لوكريتوس ما فاته الدحض التام لأمثال هذه المبادئ المناقضة لفيزيائهم،
35
إن الانحراف الذري فرض ناجح متسق لا يستحق كل هذا الهجوم، ما لم يكن الهجوم نابعا من أن المبدأ يخل بالحتمية المقدسة، أي ينادي بلاحتمية!
وأخيرا، إذا كان شيشرون يراه اختراعا صبيانيا، فإن علماء وفلاسفة علم معاصرين لهم رأي مناقض؛ فقد لاحظوا أنه قبل روبرت براون بتسعة عشر قرنا كانت صورة الحركة الجزيئية التي اكتشفها «الحركة البراونية» قد رسمها من قبل خيال لوكريتوس، في قصيدته الخالدة بالتفصيل،
36
Página desconocida