الحكماء :
ورفضنا أن يوصف هذا الملك بأسعد إنسان. فليتكلم عنا صولون.
المؤرخ :
أرجوك ... تكلم.
صولون :
لما فرغ «كرويزوس» من إخضاع آسيا الصغرى بأكملها، وضمها إلى مملكة الليديين، زحفت حشود الإغريق الحكماء إلى عاصمة ملكه المزدهرة «سارديس»، وزحفت كذلك معهم. كنت قد ذهبت إلى مصر التي يحكمها «أمازيس»، وشاهدت العالم وتجولت فيه عشر سنوات، واستقبلني الملك في قصره مع بقية إخواني فأحسن الاستقبال. وفي اليوم الثالث لزيارتنا أمر الملك خدمه وعبيده أن يأخذونا إلى دهاليزه ومخازنه؛ لنتفرج على التحف والكنوز التي أودعها فيها، ثم رجع بنا الخدم والعبيد إلى قاعة العرش، حيث كان الملك يجلس في أبهته محاطا بأعوانه وقواده وأعيان مملكته. لم يكن يراني حتى هتف صائحا: «أيها الضيف من أثينا، وأنتم أيها الضيوف، وصلتنا عنكم وعن حكمتكم الأخبار. وسمعنا عنك يا صولون، وعن أسفارك التي قمت بها؛ حبا في الحكمة. والآن تحركني الرغبة في أن أسالك: هل رأيت في أسفارك أحدا يمكن أن يوصف بأنه أسعد إنسان؟»
لم يخف علي أن الملك وجه إلي هذا السؤال، وفي نيته أن أقول أنت أيها الملك الغني العظيم أسعد إنسان. لكني لم أتملقه، بل صارحته بحقيقة رأيي: «أيها الملك، إنه تيلوس الأثيني.» تعجب الملك من قولي، وأسرع بالسؤال: «وكيف حكمت بأن تيلوس هذا هو أسعد إنسان؟» قلت: «عدة أسباب يا مولاي. أولها أن كان لتيلوس هذا عدة أبناء تحلوا بالذكاء والصلاح والجمال، ولقد سعدت عيناه برؤية أبنائهم في حياته. والثاني أن الرجل بعد أن تقدم به العمر وعاش أطيب حياة ممكنة مات كذلك في النهاية أروع ميتة ممكنة؛ فقد شارك مواطنيه الأثينيين في الحرب التي اشتبكوا فيها مع جيرانهم في إيلويزيس، وطارد الأعداء الذين فروا مهزومين، ومات أثناء هذه المطاردة أجمل ميتة. ودفنه الأثينيون، حيث سقط صريعا، على نفقة الدولة، وكرموه وأقاموا له طقوس التوديع والإجلال.»
استمع الملك إلى قصة تيلوس، وهو يعض على شفتيه وأسنانه. سكت قليلا، ثم غالب غيظه وسأل: «ومن هو أسعد إنسان رأيته بعد تيلوس؟» قلت: «هما اثنان أيها الملك العظيم.» قال في لهفة: «احك علي قصتهما يا صولون.» قلت: هما كليوبيس وبيتون. كانا من حيث المولد من أرجوس ، ولهذا وجدا ما يكفيهما للحياة. وكان كلاهما حسن الصورة قوي الجسد، وحصلا على جوائز كثيرة في المسابقات الرياضية. تسألني يا مولاي أن أحكي قصتهما؟ إنهما سيغنيانني عن هذا، ويرويان القصة بنفسهما.
كليوييس وبيتون : «كان أهالي أرجوس يحتفلون بعيد هيرا، ربة السماء وسيدة الآلهة، وشقيقة زيوس وزوجته. وكان علينا أن نذهب بأمنا المريضة إلى معبد الآلهة؛ للتبرك وزيارة قدس الأقداس. لكن الثيران التي تجر العربة التي تستقلها لم تكن قد رجعت بعد من الحفل. وضاق الوقت عن الانتظار، فوضعنا رقابنا في النير، وجررنا العربة التي حملتها إلى الاحتفال مسافة خمسة وأربعين فرسخا
1
Página desconocida