La Prueba Convincente de Dios

Shah Waliullah Dehlawi d. 1176 AH
66

La Prueba Convincente de Dios

حجة الله البالغة

Investigador

السيد سابق

Editorial

دار الجيل

Número de edición

الأولى

Año de publicación

سنة الطبع

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

وَمِنْهُم الْأَنْبِيَاء يَتَأَتَّى لَهُم الْخُرُوج إِلَى كَمَال هَذَا الْخلق وَاخْتِيَار هيآت مُنَاسبَة لَهُ وَكَيْفِيَّة تَحْصِيل الْفَائِت وإبقاء الْحَاضِر وإتمام النَّاقِص من غير إِمَام وَلَا دَعْوَة، فينتظم من جريانهم فِي مُقْتَضى جبلتهم سنَن يتذكرها النَّاس، ويتخذونها دستورا، وَكَيف وَلما كَانَت الحدادة وَالتِّجَارَة وأمثالهما لَا تَأتي من جُمْهُور النَّاس إِلَّا بسنن مأثورة عَن أسلافهم، فَمَا ظَنك بِهَذِهِ المطالب الشَّرِيفَة الَّتِي لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا إِلَّا الموفقون " وَمن هَذَا الْبَاب يَنْبَغِي أَن يعلم شدَّة الْحَاجة إِلَى الْأَنْبِيَاء وَوُجُوب إتباع سنتهمْ والاشتغال بأحاديثهم وَالله أعلم. (بَاب توزع النَّاس فِي كَيْفيَّة تَحْصِيل هَذِه السَّعَادَة) اعْلَم أَن هَذِه السَّعَادَة تحصل بِوَجْهَيْنِ، أَحدهمَا مَا هُوَ كالانسلاخ عَن الطبيعية البهيمية، وَذَلِكَ أَن يتَمَسَّك بالحيل الجالبة لركود أَحْكَام الطبيعة وخمود سورتها، وانطفاء لَهب علومها وحالاتها، وَيقبل على التَّوَجُّه التَّام إِلَى مَا وَرَاء الْجِهَات من الجبروت، وَقبُول النَّفس لعلوم مُفَارقَة عَن الزَّمَان وَالْمَكَان بِالْكُلِّيَّةِ، ولذات مباينة اللَّذَّات المألوفة من كل وَجه، حَتَّى يصير لَا يخالط النَّاس، وَلَا يرغب فِيمَا يرغبون، وَلَا يرهب مِمَّا يرهبون، وَيكون مِنْهُم على طرف شاسع، وصقع بعيد، وَهَذَا الَّذِي يرومه المتألهون من الْحُكَمَاء، والمجذبون من الصُّوفِيَّة، فوصل بَعضهم غَايَة مداها، وَقَلِيل مَا هم وَبَقِي آخَرُونَ مشتاقين لَهَا، طامحة أَبْصَارهم إِلَيْهَا، متكلفين لمحاكاة هيآتها. وَثَانِيهمَا مَا هُوَ كالإصلاح للبهيمية وَالْإِقَامَة لعوجها مَعَ تعلق أَصْلهَا، وَذَلِكَ أَن يسْعَى فِي محاكاة البهيمية مَا عِنْد النَّفس النطقية بِأَفْعَال وهيآت وأذكار وَنَحْوهَا، كَمثل مَا يحاكي الْأَخْرَس أَقْوَال النَّاس بإشاراته، والمصور أحوالا نفسانية من الوجل والخجل بهيآت مبصرة يجدهَا متعانقة مَعَ تِلْكَ الْأَحْوَال، والثكلى تفجعها بِكَلِمَات وترجيعات لَا يسْمعهَا أحد إِلَّا حزن وتمثل عِنْده صُورَة التفجع. وَلما كَانَ مبْنى التَّدْبِير الإلهي فِي الْعَالم على اخْتِيَار الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، والأسهل فالأسهل، وَالنَّظَر إِلَى صَلَاح مَا يجْرِي مجْرى جملَة أَفْرَاد النَّوْع دون الشاذة والفاذة، وَإِقَامَة مصَالح الدَّاريْنِ من غير أَن ينخرم نظام شَيْء مِنْهُمَا اقْتضى لطف الله وَرَحمته أَن يبْعَث الرُّسُل أَولا وبالذات لإِقَامَة الطَّرِيق الثَّانِيَة، والدعوة إِلَيْهَا، والحث عَلَيْهَا، وَيدل على الأولى بإشارات التزامية، وتلويحات تضمنية لَا غير، وَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة.

1 / 105