وفي هذا الحديث دلالة على أن المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - «الجمعة واجبة على كل محتلم سمع النداء» هو أن يكون المحتلم في مكان يسمع منه النداء بالصوت المرتفع في المكان العالي في الوقت الخالي من الحواس مع هدوء الحركات وسكون الرياح.
ووجه دلالة هذا الحديث على ذلك هو أنه لو كان المراد من سماع النداء ظاهره ما نهى - صلى الله عليه وسلم - الرعاة أن يبعدوا حتى لا يسمعوا النداء، وذلك أنه إذا كان خروجهم قبل وجوب الصلاة ولم يسمعوا النداء بآذانهم كان فرض الجمعة ساقطا عنهم، ولما تبين عدم سقوطه بالنهي عن الإبعاد وبالتوعد بالطبع على القلوب علمنا أن المراد بسماع النداء هو ما ذكرت، وبه قال بعض العلماء (¬1) .
وحكمة الحديث في النهي عن الإبعاد حتى لا يسمعوا النداء إنما هي مخافة أن لا يسمعوا النداء فلا يحضرون الصلاة وقد كانت واجبة عليهم، ويحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم - «سمع النداء» جاريا مجرى الأغلب المعتاد، فلا يدل على سقوط الجمعة عمن لم يسمع النداء على ما في الاحتجاج بمفهوم المخالفة من خلاف، كيف وقد قام الدليل من خارج على وجوبها على من كان حاضرا سمع النداء أو لم يسمعه، وأيضا فلو كان المراد من «سمع النداء» ظاهره لسقطت الجمعة عن الأصم، والإجماع على أنها لا تسقط عنه بنفس الصمم (¬2) .
[بيان المكان الذي تؤتى منه الجمعة]:
¬__________
(¬1) - ... انظر، الشافعي: الأم، 01/192. الشقصي: منهج الطالبين، 04/515.
(¬2) - ... لم أهتد إلى من حكى هذا الإجماع.
Página 45