Ḥujiyyat al-Qiyās wa al-Radd ʿalā al-Mukhālifīn
حجية القياس والرد علي المخالفين
Géneros
تعريف القياس اصطلاحا
اختلف الاصوليون في تعريفه نظرا لاختلافهم في مسألة هل القياس دليل شرعي نصبه الشارع أو هو عمل المجتهد فمن قال بان القياس دليل نصبه الشارع عبر عن القياس بانه استواء بين الفرع والاصل في العلة المستنبطة من حكم الاصل هذا تعريف الامدي سيف الدين في الاحكام
ومنهم من عبر بلفظ المساواة كابن الحاجب وابن عبد الشكور فقال ابن الحاجب: مساواة فرع لاصل في علة حكمه
اما من قال بان القياس هو عمل المجتهد كابي بكر الباقلاني وتبعه امام الحرمين والغزالي والرازي والامدي فقد عبروا عن القياس بأنه حمل معلوم علي معلوم في اثبات حكم لهما او نفيه عنهما بامر جامع بينهما
واختاره اكثر المحققين من الاصوليين
ولا نريد الاطالة في بحث الاعتراضات علي هذه التعريفات ولكنا نختار ما ختاره المحققون وهو ان القياس هو حمل معلوم علي ما علم حكمه لاستوائهما في علة الحكم لدي المجتهد
قال صاحب مراقي السعود
بحمل معلوم علي ما قد علم للاستوا في علة الحكم وُسم
وان ترد شموله لما فسد فزد لدي الحامل والزيد اسد
اذا فأركان القياس التي يقوم عليها اربعة هي الاصل والفرع والعلة والحكم ولابد لكل قياس من توفر هذه الاركان فالاصل هو المعلوم الذي ثبت حكمه بالشرع وهوما يقاس عليه ويشبه الفرع به، والفرع هنا هو الامر الذي لم يرد حكمه في الشرع ابتداء وهو ما يطلب قياسه علي الاصل، والعلة هي الوصف الجامع بين الاصل والفرع، والحكم هو ثمرة قياس الفرع علي الاصل.
المقدمة الثالثة: أنواع القياس ينقسم القياس الي قسمين الاول هو قياس العكس والثاني هو قياس الطرد، فأما قياس العكس فعبارة عن اثبات عكس حكم الاصل للفرع لان علة الفرع عكس علة الاصل ومثله كما ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم (وفي بضع احدكم صدقة) قالوا اياتي احدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال ﷺ: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: نعم. قال: كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر) الحديث رواه مسلم عن ابي ذر الغفاري. اما النوع الثاني من القياس فهو قياس الطرد وينقسم الي ثلاثة اقسام،قياس العلة وقياس الدلالة وقياس الشبه قال الامام الجويني في الورقات في اصول الفقه (فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ: مَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ. وَقِيَاسُ الدَّلاَلَةِ: وَهُوَ الاِسْتِدْلاَلُ بِأَحَدِ النَّظِيرَيْنِ عَلَى الآخَرِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ دَالَّةً عَلَى الْحُكْمِ، وَلاَ تَكُونُ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ. وَقِيَاسُ الشَّبَهِ: وَهُوَ الْفَرْعُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، فَيُلْحَقُ بِأَكْثَرِهِمَا شَبَهًا، وَلاَ يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَانِ مَا قَبْلَهُ. وَمِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ: أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلأَصْلِ. وَمِنْ شَرْطِ الأَصْلِ: أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.) انتهي قال ابن القيم في اعلام الموقعين (وَالْأَقْيِسَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ ثَلَاثَةٌ: قِيَاسُ عِلَّةٍ، وَقِيَاسُ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسُ شَبَهٍ، وَقَدْ وَرَدَتْ كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ. ﴿فَأَمَّا قِيَاسُ الْعِلَّةِ﴾ فَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿ فِي مَوَاضِعَ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ عِيسَى نَظِيرُ آدَمَ فِي التَّكْوِينِ بِجَامِعِ مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ وُجُودُ سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهُوَ مَجِيئُهَا طَوْعًا لِمَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَكَيْفَ يُسْتَنْكَرُ وُجُودُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ مَنْ يُقِرُّ بِوُجُودِ آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ؟ وَوُجُودِ حَوَّاءَ مِنْ غَيْرِ أُمٍّ؟ فَآدَمُ وَعِيسَى نَظِيرَانِ يَجْمَعُهُمَا الْمَعْنَى الَّذِي يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِيجَادِ وَالْخَلْقِ بِهِ.........وَأَمَّا ﴿قِيَاسُ الدَّلَالَةِ﴾ فَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ وَمَلْزُومِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّك تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَدَلَّ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ الْإِحْيَاءِ الَّذِي تَحَقَّقُوهُ وَشَاهَدُوهُ عَلَى الْإِحْيَاءِ الَّذِي اسْتَبْعَدُوهُ، وَذَلِكَ قِيَاسُ إحْيَاءٍ عَلَى إحْيَاءٍ، وَاعْتِبَارُ الشَّيْءِ بِنَظِيرِهِ؛ وَالْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ هِيَ عُمُومُ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَكَمَالُ حِكْمَتِهِ؛ وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ دَلِيلُ الْعِلَّةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ فَدَلَّ بِالنَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ، وَقَرَّبَ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ جِدًّا بِلَفْظِ الْإِخْرَاجِ، أَيْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَرْضِ أَحْيَاءً كَمَا يَخْرُجُ الْحَيُّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيَخْرُجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْحَيِّ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ كَيْفِيَّةَ الْخَلْقِ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَاءِ فِي الرَّحِمِ إلَى أَنْ صَارَ مِنْهُ الزَّوْجَانِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَذَلِكَ أَمَارَةُ وُجُودِ صَانِعٍ قَادِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ: عِبَادَهُ بِمَا أَحْدَثَهُ فِي النُّطْفَةِ الْمُهِينَةِ الْحَقِيرَةِ مِنْ الْأَطْوَارِ، وَسَوْقُهَا فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالِ مِنْ مَرْتَبَةٍ إلَى مَرْتَبَةٍ أَعْلَى مِنْهَا، حَتَّى صَارَتْ بَشَرًا سَوِيًّا فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ وَتَقْوِيمٍ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ بِهِ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا الْبَشَرَ سُدًى مُهْمَلًا مُعَطَّلًا لَا يَأْمُرُهُ وَلَا يَنْهَاهُ وَلَا يُقِيمُهُ فِي عُبُودِيَّتِهِ، وَقَدْ سَاقَهُ فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالِ مِنْ حِينِ كَانَ نُطْفَةً إلَى أَنْ صَارَ بَشَرًا سَوِيًّا، فَكَذَلِكَ يَسُوقُهُ فِي مَرَاتِبِ كَمَالِهِ طَبَقًا بَعْدَ طَبَقٍ وَحَالًا بَعْدَ حَالٍ إلَى أَنْ يَصِيرَ جَارَهُ فِي دَارِهِ يَتَمَتَّعُ بِأَنْوَاعِ النَّعِيمِ، وَيَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ، وَيَسْمَعُ كَلَامَهُ....... ﴿وَأَمَّا قِيَاسُ الشَّبَهِ﴾ فَلَمْ يَحْكِهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إلَّا عَنْ الْمُبْطِلِينَ؛ فَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمَّا وَجَدُوا الصُّوَاعَ فِي رَحْلِ أَخِيهِمْ: ﴿إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ فَلَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِعِلَّةٍ وَلَا دَلِيلِهَا، وَإِنَّمَا أَلْحَقُوا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ جَامِعٍ سِوَى مُجَرَّدِ الشَّبَهِ الْجَامِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يُوسُفَ، فَقَالُوا: هَذَا مَقِيسٌ عَلَى أَخِيهِ، بَيْنَهُمَا شَبَهٌ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ، وَذَاكَ قَدْ سَرَقَ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَهَذَا هُوَ الْجَمْعُ بِالشَّبَهِ الْفَارِغِ، وَالْقِيَاسِ بِالصُّورَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّسَاوِي، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَالتَّسَاوِي فِي قَرَابَةِ الْأُخُوَّةِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلتَّسَاوِي فِي السَّرِقَةِ لَوْ كَانَتْ حَقًّا، وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّسَاوِي فِيهَا؛ فَيَكُونُ الْجَمْعُ لِنَوْعِ شَبَهٍ خَالٍ عَنْ الْعِلَّةِ وَدَلِيلِهَا.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿مَا نَرَاكَ إلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ فَاعْتُبِرُوا صُورَةَ مُجَرَّدِ الْآدَمِيَّةِ وَشَبَهَ الْمُجَانَسَةِ فِيهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ أَحَدِ الشَّبَهَيْنِ حُكْمُ الْآخَرِ؛ فَكَمَا لَا نَكُونُ نَحْنُ رُسُلًا فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ، فَإِذَا تَسَاوَيْنَا فِي هَذَا الشَّبَهِ فَأَنْتُمْ مِثْلُنَا لَا مَزِيَّةَ لَكُمْ عَلَيْنَا، وَهَذَا مِنْ أبطل الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّ الْوَاقِعَ مِنْ التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ وَجَعْلِ بَعْضِ هَذَا النَّوْعِ شَرِيفًا وَبَعْضَهُ دَنِيًّا، وَبَعْضَهُ مَرْءُوسًا وَبَعْضَهُ رَئِيسًا، وَبَعْضَهُ مَلِكًا وَبَعْضَهُ سُوقَةً، يُبْطِلُ هَذَا الْقِيَاسَ، كَمَا أَشَارَ سُبْحَانَهُ إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّك نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سِخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّك خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ . وَأَجَابَتْ الرُّسُلُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِقَوْلِهِمْ: ﴿إنْ نَحْنُ إلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ وَأَجَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ .......وَمِنْ هَذَا قِيَاسُ الْمُشْرِكِينَ الرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ الصُّورِيِّ، وَمِنْهُ قِيَاسُهُمْ الْمَيْتَةَ عَلَى الْمُذَكَّى فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَجِئْ هَذَا الْقِيَاسُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا مَرْدُودًا مَذْمُومًا) انتهي من اعلام الموقعين باختصار ومن ارد المزيد من الامثلة فليرجع اليه
اذا فأركان القياس التي يقوم عليها اربعة هي الاصل والفرع والعلة والحكم ولابد لكل قياس من توفر هذه الاركان فالاصل هو المعلوم الذي ثبت حكمه بالشرع وهوما يقاس عليه ويشبه الفرع به، والفرع هنا هو الامر الذي لم يرد حكمه في الشرع ابتداء وهو ما يطلب قياسه علي الاصل، والعلة هي الوصف الجامع بين الاصل والفرع، والحكم هو ثمرة قياس الفرع علي الاصل.
المقدمة الثالثة: أنواع القياس ينقسم القياس الي قسمين الاول هو قياس العكس والثاني هو قياس الطرد، فأما قياس العكس فعبارة عن اثبات عكس حكم الاصل للفرع لان علة الفرع عكس علة الاصل ومثله كما ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم (وفي بضع احدكم صدقة) قالوا اياتي احدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال ﷺ: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: نعم. قال: كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر) الحديث رواه مسلم عن ابي ذر الغفاري. اما النوع الثاني من القياس فهو قياس الطرد وينقسم الي ثلاثة اقسام،قياس العلة وقياس الدلالة وقياس الشبه قال الامام الجويني في الورقات في اصول الفقه (فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ: مَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ. وَقِيَاسُ الدَّلاَلَةِ: وَهُوَ الاِسْتِدْلاَلُ بِأَحَدِ النَّظِيرَيْنِ عَلَى الآخَرِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ دَالَّةً عَلَى الْحُكْمِ، وَلاَ تَكُونُ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ. وَقِيَاسُ الشَّبَهِ: وَهُوَ الْفَرْعُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، فَيُلْحَقُ بِأَكْثَرِهِمَا شَبَهًا، وَلاَ يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَانِ مَا قَبْلَهُ. وَمِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ: أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلأَصْلِ. وَمِنْ شَرْطِ الأَصْلِ: أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.) انتهي قال ابن القيم في اعلام الموقعين (وَالْأَقْيِسَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ ثَلَاثَةٌ: قِيَاسُ عِلَّةٍ، وَقِيَاسُ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسُ شَبَهٍ، وَقَدْ وَرَدَتْ كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ. ﴿فَأَمَّا قِيَاسُ الْعِلَّةِ﴾ فَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿ فِي مَوَاضِعَ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ عِيسَى نَظِيرُ آدَمَ فِي التَّكْوِينِ بِجَامِعِ مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ وُجُودُ سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهُوَ مَجِيئُهَا طَوْعًا لِمَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَكَيْفَ يُسْتَنْكَرُ وُجُودُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ مَنْ يُقِرُّ بِوُجُودِ آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ؟ وَوُجُودِ حَوَّاءَ مِنْ غَيْرِ أُمٍّ؟ فَآدَمُ وَعِيسَى نَظِيرَانِ يَجْمَعُهُمَا الْمَعْنَى الَّذِي يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِيجَادِ وَالْخَلْقِ بِهِ.........وَأَمَّا ﴿قِيَاسُ الدَّلَالَةِ﴾ فَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ وَمَلْزُومِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّك تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَدَلَّ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ الْإِحْيَاءِ الَّذِي تَحَقَّقُوهُ وَشَاهَدُوهُ عَلَى الْإِحْيَاءِ الَّذِي اسْتَبْعَدُوهُ، وَذَلِكَ قِيَاسُ إحْيَاءٍ عَلَى إحْيَاءٍ، وَاعْتِبَارُ الشَّيْءِ بِنَظِيرِهِ؛ وَالْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ هِيَ عُمُومُ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَكَمَالُ حِكْمَتِهِ؛ وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ دَلِيلُ الْعِلَّةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ فَدَلَّ بِالنَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ، وَقَرَّبَ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ جِدًّا بِلَفْظِ الْإِخْرَاجِ، أَيْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَرْضِ أَحْيَاءً كَمَا يَخْرُجُ الْحَيُّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيَخْرُجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْحَيِّ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ كَيْفِيَّةَ الْخَلْقِ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَاءِ فِي الرَّحِمِ إلَى أَنْ صَارَ مِنْهُ الزَّوْجَانِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَذَلِكَ أَمَارَةُ وُجُودِ صَانِعٍ قَادِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ: عِبَادَهُ بِمَا أَحْدَثَهُ فِي النُّطْفَةِ الْمُهِينَةِ الْحَقِيرَةِ مِنْ الْأَطْوَارِ، وَسَوْقُهَا فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالِ مِنْ مَرْتَبَةٍ إلَى مَرْتَبَةٍ أَعْلَى مِنْهَا، حَتَّى صَارَتْ بَشَرًا سَوِيًّا فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ وَتَقْوِيمٍ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ بِهِ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا الْبَشَرَ سُدًى مُهْمَلًا مُعَطَّلًا لَا يَأْمُرُهُ وَلَا يَنْهَاهُ وَلَا يُقِيمُهُ فِي عُبُودِيَّتِهِ، وَقَدْ سَاقَهُ فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالِ مِنْ حِينِ كَانَ نُطْفَةً إلَى أَنْ صَارَ بَشَرًا سَوِيًّا، فَكَذَلِكَ يَسُوقُهُ فِي مَرَاتِبِ كَمَالِهِ طَبَقًا بَعْدَ طَبَقٍ وَحَالًا بَعْدَ حَالٍ إلَى أَنْ يَصِيرَ جَارَهُ فِي دَارِهِ يَتَمَتَّعُ بِأَنْوَاعِ النَّعِيمِ، وَيَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ، وَيَسْمَعُ كَلَامَهُ....... ﴿وَأَمَّا قِيَاسُ الشَّبَهِ﴾ فَلَمْ يَحْكِهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إلَّا عَنْ الْمُبْطِلِينَ؛ فَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمَّا وَجَدُوا الصُّوَاعَ فِي رَحْلِ أَخِيهِمْ: ﴿إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ فَلَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِعِلَّةٍ وَلَا دَلِيلِهَا، وَإِنَّمَا أَلْحَقُوا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ جَامِعٍ سِوَى مُجَرَّدِ الشَّبَهِ الْجَامِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يُوسُفَ، فَقَالُوا: هَذَا مَقِيسٌ عَلَى أَخِيهِ، بَيْنَهُمَا شَبَهٌ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ، وَذَاكَ قَدْ سَرَقَ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَهَذَا هُوَ الْجَمْعُ بِالشَّبَهِ الْفَارِغِ، وَالْقِيَاسِ بِالصُّورَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّسَاوِي، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَالتَّسَاوِي فِي قَرَابَةِ الْأُخُوَّةِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلتَّسَاوِي فِي السَّرِقَةِ لَوْ كَانَتْ حَقًّا، وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّسَاوِي فِيهَا؛ فَيَكُونُ الْجَمْعُ لِنَوْعِ شَبَهٍ خَالٍ عَنْ الْعِلَّةِ وَدَلِيلِهَا.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ قَالُوا: ﴿مَا نَرَاكَ إلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ فَاعْتُبِرُوا صُورَةَ مُجَرَّدِ الْآدَمِيَّةِ وَشَبَهَ الْمُجَانَسَةِ فِيهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ أَحَدِ الشَّبَهَيْنِ حُكْمُ الْآخَرِ؛ فَكَمَا لَا نَكُونُ نَحْنُ رُسُلًا فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ، فَإِذَا تَسَاوَيْنَا فِي هَذَا الشَّبَهِ فَأَنْتُمْ مِثْلُنَا لَا مَزِيَّةَ لَكُمْ عَلَيْنَا، وَهَذَا مِنْ أبطل الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّ الْوَاقِعَ مِنْ التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ وَجَعْلِ بَعْضِ هَذَا النَّوْعِ شَرِيفًا وَبَعْضَهُ دَنِيًّا، وَبَعْضَهُ مَرْءُوسًا وَبَعْضَهُ رَئِيسًا، وَبَعْضَهُ مَلِكًا وَبَعْضَهُ سُوقَةً، يُبْطِلُ هَذَا الْقِيَاسَ، كَمَا أَشَارَ سُبْحَانَهُ إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّك نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سِخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّك خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ . وَأَجَابَتْ الرُّسُلُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِقَوْلِهِمْ: ﴿إنْ نَحْنُ إلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ وَأَجَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ .......وَمِنْ هَذَا قِيَاسُ الْمُشْرِكِينَ الرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ الصُّورِيِّ، وَمِنْهُ قِيَاسُهُمْ الْمَيْتَةَ عَلَى الْمُذَكَّى فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَجِئْ هَذَا الْقِيَاسُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا مَرْدُودًا مَذْمُومًا) انتهي من اعلام الموقعين باختصار ومن ارد المزيد من الامثلة فليرجع اليه
Página desconocida