فسألته باسمة: وماذا يمنعك؟ - تخصصي لا يؤهلني لها.
ثم وهو يضحك: لا مفر من البقاء في مصحة الأمراض العقلية.
11
في قرار واحد أصبح مرزوق أنور وخطيبته عليات عبده موظفين في الحكومة؛ تعينت هي في وزارة الشئون الاجتماعية، أما هو فتعين في المنطقة التعليمية ببني سويف. تكدرت فرحة التعيين، وأطل شبح الفراق على الحبيبين وتساءلا: كيف يجتمع شمل عروسين واحدة في القاهرة والآخر في بني سويف؟ وذهب مرزوق إلى محطة مصر، فصحبه أبوه وعليات، وجلسوا حول مائدة في البوفيه، حتى يأزف ميعاد قيام قطار الصعيد. كان الأب في الستين، ولكنه بدا أكبر من عمره بعشرة أعوام على الأقل، وكان ممن يأخذون الأمور بتسليم وبساطة، كما كان يعتبر ابنه من «المفقودين» على أي حال، سواء أبقي في القاهرة أم رحل إلى أسوان. لذلك شجعه طيلة الوقت، وضرب له مثلا بحياته هو في الثلاثينيات - سنوات الأزمة الاقتصادية - عندما تقاذفته بلدان القطر، والإفلاس يطارد التجار، ويصفي المحال التجارية واحدا بعد آخر. ومالت عليات نحوه، وسألته همسا: أتعرف ذلك الرجل الذي يجلس أمامنا؟
فنظر نحو الأمام، فرأى رجلا جالسا، يدخن غليونا، ويتفحصه بنظر ثاقب غير هياب، فقال على الفور: كلا.
لم يكن يعرفه، ولكن خيل إليه أنه لا يراه لأول مرة، فمتى رأى هذا الوجه شبه المربع الريان، وهاتين العينين البراقتين، وهذين الحاجبين الكثيفين، وهذا الرأس القوي الأصلع؟ وهمست عليات مرة أخرى: إنه لم يحول عنك عينيه طوال الوقت.
ولا بد أنه يريد أن يحولهما عنه بعد أن تنبه إلى نظراته. ولم يقنع بذلك، فقام بهدوء وتقدم خطوات، ثم وقف أمامهم، وأحنى رأسه تحية، وقال يقدم نفسه: محمد رشوان .. مخرج سينمائي.
فقام مرزوق أنور بدوره، أحنى رأسه وقال: مرزوق أنور .. موظف .. تشرفنا يا فندم.
فسأله وهو يواصل فحصه: أليس لك تجربة سابقة في فن التمثيل؟
فأجاب مرزوق بدهشة: كلا. - ألا تحب أن تجرب نفسك؟
Página desconocida