على سبيل المثال، أتوقع أن تكون الحرارة هناك مهلكة. لا يبدو أن موقع هذه المدينة - جاكارتا - جيد، كما أنها مليئة بالمستنقعات والوهاد. لست غبية. سوف أحصل على التطعيمات اللازمة، وأتخذ كل الاحتياطات، وسوف آخذ معي الفيتامينات التي أتناولها. وبما أن الهولنديين هم من أسسوا جاكارتا، فلن يكون هناك أي نقص في شراب الجن؛ إنها الهند الشرقية الهولندية، وليست بالمدينة العتيقة؛ فقد شيدت في العقد الأول من القرن السابع عشر على ما أعتقد. انتظر لحظة؛ لدي كل ... سوف أريك ... لدي ...»
وضعت كأسها - وقد صارت فارغة منذ فترة - ونهضت مسرعة، وبعد خطوتين تعلقت قدمها في البساط الممزق المصنوع من السيزال، وترنحت فجأة للأمام، لكنها استعادت توازنها بالإمساك بإطار الباب، ولم تقع. قالت: «علي التخلص من هذا البساط.» ثم أسرعت إلى داخل المنزل.
سمع كنت صوت صراعها مع بعض الأدراج المستعصية على الفتح، ثم صوت سقوط كومة من الأوراق. وأثناء كل ذلك، كانت تتحدث معه بتلك النبرة المطمئنة شبه الجنونية لشخص يسعى جاهدا لعدم فقد اهتمام من يتحدث معه. لم يتبين حديثها، أو بالأحرى لم يحاول ذلك؛ فقد استغل الفرصة لابتلاع حبة دواء، الأمر الذي كان يفكر في فعله على مدار نصف الساعة الماضية. كانت حبة صغيرة لم تتطلب احتساء شراب معها - إذ كانت كأسه فارغة أيضا - وكان يستطيع على الأرجح وضعها في فمه دون أن تلاحظ سونيه. لكن شيئا كالخجل أو معتقد يفتقر إلى المنطقية منعه من المحاولة. لم يكن يمانع معرفة ديبورا دائما بحالته الصحية، وكان لا بد من معرفة أبنائه بها بالطبع أيضا، لكن ثمة مانعا يحول دون كشفه عن هذه الحالة أمام من هم في نفس سنه.
أخذ الحبة في التوقيت المناسب؛ إذ خيم عليه تدريجيا شعور بالإغماء وحرارة مزعجة وتعب عام، وتبدى تدهور الحالة في صورة قطرات عرق على صدغيه. ولبضع دقائق، شعر بأن حالته تزداد سوءا، لكن بالتنفس الهادئ المنظم والتحريك العفوي لأطرافه، تغلب على هذه الحالة. وأثناء ذلك، ظهرت سونيه مجددا ممسكة بمجموعة من الأوراق؛ كانت خرائط وأوراقا مطبوعة نسختها بالتأكيد من كتب المكتبة. بعضها انزلق من يديها عند جلوسها، وتناثر على بساط السيزال.
قالت: «يطلقون عليها الآن باتافيا القديمة. تخطيطها منظم هندسيا تنظيما دقيقا على نحو هولندي حقا. ثمة ضاحية هناك تدعى فيلتفريدن، وهي كلمة هولندية تعني «الرضا التام». ألن يكون من المثير للضحك أن أعثر عليه هناك؟ وهناك كنيسة برتغالية قديمة شيدت في أواخر العقد الأول من القرن السابع عشر. إنها دولة إسلامية، بالطبع، وبها أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا. رسا القبطان كوك فيها لإصلاح سفنه، وأشاد بأحواض بناء السفن وإصلاحها أيما إشادة، لكنه ذكر أن الخنادق الموجودة في المستنقعات كانت قذرة. لعلها لا تزال كذلك على الأرجح. لم يبد كوتر قويا قط، لكنه كان يعتني بنفسه أكثر مما قد يبدو لك. فما كان ليتجول حول المستنقعات الموبوءة بالملاريا أو يشتري مشروبات من الباعة الجائلين في الشوارع. أتوقع بالطبع أن يكون قد تأقلم تماما مع الحياة هناك، إذا كان لا يزال حيا. لا أعلم ما يمكنني توقعه. يمكنني أن أتخيله قد صار شبيها بأبناء البلد، أو مسترخيا بجوار حمام سباحة يتناول الفاكهة، وامرأة سمراء قصيرة القامة قائمة على خدمته. أو ربما يتجول مستجديا المال للفقراء.»
في الواقع، ثمة شيء تذكره كنت. في ليلة حفل الشاطئ، توجه إليه كوتر - وهو لا يرتدي شيئا سوى منشفة لا تستر جسده على نحو كاف - وسأله عما كان يعلمه عن الأمراض الاستوائية؛ بصفته صيدلانيا.
لكن ذلك لم يبد غريبا؛ فأي شخص سيذهب إلى حيث كان كوتر ذاهبا كان سيفعل نفس الشيء.
قال لسونيه: «أنت تفكرين في الهند.»
استقرت حالته الآن، وأعادت حبة الدواء بعض الثبات لوظائف جسمه الداخلية، وأوقفت ما بدا وكأنه حالة إعياء شديدة.
فقالت له سونيه: «أتعرف ما السبب الآخر الذي يجعلني أعتقد أنه لم يمت؟ إنني لا أحلم به. فأنا أحلم بالموتى. أحلم دوما بحماتي.»
Página desconocida