أمطرت السماء بالفعل. بدأ ذلك مع عودة روبرت، وسيره إلى المنزل على ضفة النهر؛ فقالت له زوجته إن ذلك أمر جيد؛ إذ سيخفي الوحل الآثار التي خلفتها قدماه عند دفعه السيارة في الماء. فقال لها إنه خلع حذاءه وعمل بقدميه المغطاتين بالجوارب فقط. فاستحسنت السيدة كوين ما فعله، وقالت له إنه عاد يعمل عقله مرة أخرى.
بدلا من محاولة نقع المفرش التذكاري والبلوزة التي كانت ترتديها في الماء لإزالة ما بهما من بقع، قررت أن تحرقهما في الفرن؛ الأمر الذي جعل رائحة كريهة للغاية تنبعث منه، وأصابتها تلك الرائحة بالغثيان. وكانت تلك بداية مرضها. هذا بالإضافة إلى الطلاء. فبعد أن نظفت الأرضية، ظلت تلاحظ مكان البقعة؛ حسب ظنها، فأحضرت الطلاء البني المتبقي من طلاء السلم الذي استخدمه روبرت، وطلت به الأرضية بأكملها. تسبب ذلك في تقيئها، وانحناء ظهرها، واستنشاقها الطلاء. وكانت تلك بداية شعورها بآلام الظهر أيضا.
وبعد انتهائها من طلاء الأرضية، كادت تقرر عدم الدخول إلى الغرفة الأمامية بعد ذلك، لكنها فكرت في أحد الأيام أنه من الأفضل وضع مفرش آخر على المائدة لكي تبدو الأمور طبيعية على نحو أكبر؛ فقد كانت موقنة بأنها إن لم تفعل ذلك، فسوف تقحم شقيقة زوجها نفسها في الأمر، وتبدأ في طرح الأسئلة عن المفرش الذي جلبه والداها معهما عند عودتهما من زيارة التوائم الخمسة، لكنها إن وضعت مفرشا جديدا على المائدة، فسوف تتحجج بأنها رغبت في بعض التغيير، لكن عدم وجود أي مفرش على الإطلاق سيثير الشكوك.
ومن ثم، أحضرت السيدة كوين مفرشا كانت والدة روبرت قد طرزته بأشكال من سلال الزهور، وجلبته إلى الغرفة، لكنها ظلت تشم الرائحة التي طغت على المكان. استقر على المائدة أيضا الصندوق ذو اللون الأحمر الداكن الذي يحتوي على أدوات السيد ويلينس ويحمل اسمه عليه. لقد ظل في ذلك المكان طوال الوقت ، حتى إنها لم تتذكر أنها وضعته في هذا المكان، ولم تر روبرت كذلك يضعه هناك؛ فقد نسيته تماما.
فأخذت الصندوق، وخبأته في مكان ما، ثم غيرت هذا المكان. ولم تخبر أحدا قط بمكان إخفائها له، ولم تكن تنوي فعل ذلك قط. كانت ستحطمه بالكامل، لكن كيف يمكنك تحطيم كل هذه الأدوات الموجودة بداخله؟ أدوات الفحص. «هل تسمحين لي يا سيدتي بفحص عينيك؟ اجلسي هنا فقط واسترخي وأغمضي إحدى عينيك وافتحي الأخرى جيدا.» كانت هذه هي اللعبة التي يكررها السيد ويلينس في كل مرة، وكان من المفترض ألا تشك في أي شيء. وعندما كان يخرج إحدى هذه الأدوات لفحص عينها، كان يطلب منها أن تصبر حتى ينتهي ولا تحثه على العجلة. ذلك العجوز القذر اللاهث كان يتسلل بأصابعه ليتحسس جسدها ويلتقط أنفاسه بصعوبة، وكان من المفترض ألا تنبس ببنت شفة حتى ينتهي من عمله، ويعيد أداة الفحص إلى صندوقه، وحينئذ كان عليها أن تقول له: «والآن يا سيد ويلينس، بكم أدين لك لهذا اليوم؟»
كانت هذه إشارة له لكي يطرحها أرضا ويضاجعها كذكر الماعز العجوز؛ يطارحها الغرام على تلك الأرضية العارية ويكاد يمزقها إربا. وكان له ذكر طويل مثير.
كيف كنت تحبين ذلك؟
وبعد ذلك، نشرت الصحف خبر العثور على السيد ويلينس غارقا في البحيرة.
وقيل إن رأسه تهشم إثر اصطدامه بعجلة القيادة. وقيل أيضا إنه كان على قيد الحياة عند نزول السيارة في الماء. يا له من أمر مضحك! (4) أكاذيب
ظلت إنيد مستيقظة طوال الليل، بل إنها حتى لم تحاول النوم. لم تستطع الاستلقاء على الأريكة في غرفة السيدة كوين؛ فجلست في المطبخ عدة ساعات. وكان مجرد تحركها من مكانها مجهودا عليها، حتى عند إعدادها فنجانا من الشاي أو ذهابها إلى دورة المياه؛ فتحريك جسدها كان يشوش في عقلها المعلومات التي حاولت ترتيبها والاعتياد عليها. لم تخلع ملابسها، أو تفك شعرها، وعندما غسلت أسنانها، بدت وكأنها تفعل شيئا مرهقا وغير معتاد. تسلل ضوء القمر من نافذة المطبخ - إذ كانت تجلس في الظلام - وشاهدت بقعة من الضوء تتحرك أثناء الليل على مشمع المائدة حتى اختفت. اندهشت من اختفائها ثم من استيقاظ الطيور، وبدء يوم جديد. فبدا الليل طويلا، ثم بدا قصيرا جدا؛ وذلك لأنها لم تتوصل إلى قرار بعد.
Página desconocida