نادتها كيتلن بشكل متكرر لتسألها كم الساعة. رفعت صوت صندوق الموسيقى، فهرعت بولين إلى غرفة النوم وهمست لها بأن تخفض الصوت لكيلا توقظ مارا. «إذا رفعت صوته مرة أخرى فسوف آخذه منك، أتفهمين؟»
لكن مارا كانت قد بدأت بالفعل تتمتم في مهدها، وخلال دقائق قليلة أخذت كيتلن تتحدث بصوت خفيض مشجعة أختها على الاستيقاظ، كما أنها رفعت صوت صندوق الموسيقى ثم خفضته بسرعة. وبعدها مباشرة هزت مارا حاجز المهد - فأحدث صوتا - وشدت نفسها لأعلى، ملقية زجاجة الرضاعة على الأرض، ثم شرعت تبكي بكاءها الطفولي الذي أخذ يعلو ويعلو حتى أتت أمها.
قالت كيتلن: «لم أوقظها، هي استيقظت من تلقاء نفسها. لقد توقف المطر الآن، فهل يمكن أن نذهب إلى الشاطئ؟»
كانت محقة؛ لم تعد السماء تمطر. فسريعا قامت بولين بتغيير حفاضة مارا، وطلبت من كيتلن أن ترتدي ملابس السباحة وتبحث عن دلو الرمال. وارتدت هي الأخرى ملابس السباحة ثم سروالها القصير تحسبا لأن تصل بقية العائلة وهي على الشاطئ (قالت لها أم براين ذات مرة: «لا يحب حماك الطريقة التي تخرج بها بعض النساء من أكواخهن مرتديات ملابس السباحة، أعتقد أنني وإياه تربينا في زمان آخر»). أخذت نص المسرحية في يدها ليكون معها على الشاطئ، ثم أعادته مكانه مرة أخرى؛ فلقد خشيت أن تنهمك في قراءته فتغفل عن صغيرتيها فترة طويلة.
لم تكن الأفكار التي تراودها عن جيفري في حقيقة الأمر أفكارا، وإنما كانت تغيرات تحدث في جسدها؛ قد يحدث هذا حين تجلس على الشاطئ (محاولة أن تستظل بظل شجيرة كي تحافظ على لون بشرتها الشاحب، كما أمر جيفري)، أو حين تغسل الحفاضات، أو حين تكون مع براين في زيارة لأبويه، وحين تلعب المونوبولي أو لعبة الكلمات المبعثرة أو تلعب بأوراق اللعب. كانت تستمر في التحدث أو الاستماع أو العمل أو مراقبة الأطفال، بينما يجول في ذهنها ذكرى حياتها السرية لتزعجها وتثيرها، ثم يراودها شعور بدفء واطمئنان شديدين يغمرانها. غير أنه شعور لا يدوم، بل يتسلل منها ويتلاشى ارتياحها فتصبح كالبخيل الذي فقد ثروته وظن أن لن يواتيه الحظ مرة أخرى. يغالبها الشوق للقياه، فتعد الأيام والليالي، بل كانت - أحيانا - تقسم الأيام إلى أجزاء كي تحدد كم مضى بالضبط منها.
فكرت أن تذهب إلى كامبل ريفر، وتختلق عذرا ما كي تذهب إلى كابينة اتصالات وتهاتفه؛ فلم يكن بالأكواخ أي هواتف، والهاتف العمومي الوحيد كان موجودا في بهو النزل. لكن لم يكن معها رقم هاتف الفندق الذي يعمل فيه جيفري، وأيضا فإنها لا يمكن أن تذهب إلى كامبل ريفر في المساء، وكانت تخشى إذا هاتفته في البيت نهارا، أن ترد عليها أمه؛ معلمة اللغة الفرنسية؛ فقد قال لها إن أمه نادرا ما تغيب عن البيت خلال الصيف، وذات مرة - لم تتكرر - ركبت البحر إلى فانكوفر لقضاء اليوم على مركب في الماء، وحينها، هاتف جيفري بولين طالبا منها أن تأتيه؛ وقتها كان براين في المدرسة وكيتلن تلعب مع مجموعة اللعب المشتركة فيها.
قالت بولين: «لا أستطيع؛ مارا بصحبتي.»
فقال جيفري: «من؟ أوه، كم هذا مؤسف! لكن ألا يمكن أن تحضريها معك؟»
أجابته بالنفي. «ولم لا؟ ألا يمكنك أن تحضري بعض الألعاب كي تلهو بها؟»
قالت بولين: «لا أستطيع، لا يمكنني أبدا.» بدا لها أمرا خطيرا أن تجر ابنتها معها في هذه الرحلة الآثمة إلى بيت لا توضع فيه سوائل التنظيف على أرفف عالية، أو الحبوب والشراب والسجائر والأزرار في غير متناول الأطفال. وحتى إن لم تتسمم مارا أو تختنق، فمن الممكن أن تختزن في داخلها قنابل موقوتة؛ ذكريات لمنزل غريب كانت تترك فيه وحيدة أمام باب مغلق، ومن ورائه أصوات وصيحات.
Página desconocida