تنحنح الرجل بصوت مسموع، اختفت السحلية داخل الشق، لم تعرف كيف رآها من خلف الصحيفة، نصفه الأعلى كان مختفيا تماما ، لا يظهر منه إلا قدماه وركبتاه داخل المنامة، ربما هي قرون الاستشعار، يتوجس لأي صداقة قد تنشأ بينها وبين كائن آخر. - جهزي العشاء.
قالها بلهجة من استأجر امرأة للطهي، لم تكن هناك خانة في الطلب الذي دقته على الآلة. في خانة العمل كتبت: باحثة عن الإلهات. - أنا جائع!
صاح بصوت عال، وهي جالسة ممدودة الساقين، قدماها ملتهبتان تسلخ عنهما الجلد، تكسوه طبقة سوداء.
في المطبخ كانت النافذة مسدودة، ألواح خشبية مدقوقة بالمسامير، ورق الصحف مضغوط بين الشقوق، مكوم وراء الباب يمنع دخول السرسوب من تحت العقب، وصنبور الماء مسدود بورق الصحف.
وهي واقفة أمام الحوض أحست بالرجل خلفها، أنفاسه فوق مؤخرة عنقها، لم تعرف كيف تشعل الموقد، ناولها شيئا يشبه المسدس، تضغط عليه بالإبهام فيطرقع والشرارة تنطلق، ضحكت كالطفلة.
أشياء صغيرة كانت تضحكها، تتبدد الظلمة ويلمع في الأفق ضوء، رأته يلوي عنقه إلى أعلى بكبرياء، تابعت بعينيها نظرته حتى السقف، كان السرسوب الأسود يزحف. - ما هذا؟ - ألا تعرفين ما هذا؟ - لا. - إنه النفط. - أيتسرب النفط من السقف؟! - بالطبع، حين يرتفع المنسوب في الأرض أو يهطل من السماء. - أتمطره السماء أيضا؟ - تعطي السماء من تشاء بغير حساب.
في المدرسة وهي طفلة عرفت أن النفط لا يوجد إلا في بطن الأرض، عبر ملايين السنين يتوالد من الأجسام الميتة، تتحلل بسبب الحرارة، وكائنات صغيرة اسمها البكتريا، وذرات التراب والرمل، وغبار المعادن، كل ذلك يتحلل إلى قطرات دقيقة تشرب الماء، تختزن في طبقات كالإسفنج، تنساب إليها الرمال وصخور جبرية متشققة، تحبس بين حبيباتها، وتخزنه في الشقوق داخل طبقات عازلة تحول دون تسربه إلى أعلى، وطبقة من المياه في جوف الأرض، يطفو فوقها، تحول دون تسربه إلى أسفل كالمصيدة، تنغلق عليه الأبواب من جميع الجهات تمنعه من الخروج إلى سطح الأرض، إلا إذا اهتزت بفعل زلزال أو بركان أو قنبلة تسقط في الحرب.
أطبقت شفتيها في صمت، كان عنقه لا يزال ملويا إلى أعلى يخاطب السماء كأنما هي واحدة من الإلهات. رفعت راسها فارتطم به من الخلف، كان واقفا وراءها، يحتك بها دونما حياء، انكمشت داخل جسدها في حرج، لم يكن في عقد العمل خانة لهذه الأشياء، أشاع انكماشها في نفسه الثقة، فالتصق بها أكثر، أنفاسه تلفح عنقها من المؤخرة، ذراعه امتدت ودارت حول صدرها، ثم استقرت يده فوق النهد الأيسر، رأت أظافره سوداء تفوح منها رائحة النفط. - ألا تأخذ حماما أولا؟ - ماذا؟
بدا عليه الغضب، لم يحدث من قبل أن بلغت امرأة هذه الجرأة، كادت يده ترتفع وتسقط فوق وجهها، ربما ارتفعت فعلا، ثم تراجع إلى الخلف، أدركه الإعياء فجأة، أشار إلى زجاجة صغيرة فوق رف خشبي، فتح فمه عن آخره حتى رأت اللهاة الحمراء تنتفض في حلقه. - أربع نقط.
سكبت في حلقه أربع قطرات، أغمض عينيه طويلا، ثم فتحهما، لعق شفته السفلى بطرف لسانه. - أهو ماء؟ - لا، نوع مقطر من النفط يروي أكثر من الماء، ويطهر الأمعاء، افتحي فمك.
Página desconocida