ما كان الأغارقة والرومان ليعترفوا بالحب كشيء يغزو القلوب ويلعب بالأفئدة فحسب، بل بلغ من شدة إيمانهم بهذا الحب أن جعلوا له بين آلهتهم إلهة وإلها.
فمن يا ترى هذه الربة التي ألهها الإغريق والرومان، وعبدوها كخالقة للحب، ومسيطرة على عنفوانه وجبروته، وقدرته وغزواته؟
ومن هو هذا الرب الذي بجلوه هذا التبجيل، وجعلوه على الحب مشرفا ومهيمنا، ونصبوه عليه سيدا وآمرا؟ يتصرف فيه كما يهوى ويشاء، ويوزعه هنا وهناك كما يود ويرغب، والحب له صاغر، وبأمره يأتمر، وفي حضرته خاشع ساجد. •••
أي «فينوس»! يا صاحبة التاج المعلى، ويا ربة الحب عند الرومان.
أي «فينوس»! يا زعيمة الحب، وسيدة الغرام، والمسيطرة على عالم العشق والهيام بين الآلهة وبين البشر.
أي «فينوس»! يا ملكة الملكات في دنيا السموات والأرض، وأميرة الأميرات في كل زمان ومكان، يا من خلدك التاريخ في أنصع صفحاته، فكنت وحي المحبين، وعزاء العاشقين المتيمين. •••
آمن الأغارقة والرومان في عقيدتهم ودينهم ب «فينوس» هذه، وجعلوا من اختصاصها الهيمنة على الحب في السموات والأرض.
ولقد حدثنا هسيود
Hesiod ، الشاعر الإغريقي الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد تقريبا، في منظومته «سلسلة نسب الآلهة»، عن «فينوس» ربة الحب والغرام فقال: «أنجبت الأرض في البدء السماء بنجومها، تساويها في المساحة؛ حتى تكسوها من كل صوب وناحية، ولتصير موطنا أبديا للآلهة المباركين، كما أنجبت البحر العاقر ذا العباب المتلاطم، من غير اضطجاع ولا حب ... بيد أنها اضطجعت فيما بعد مع السماء، وأنجبت أوكيانوس (المحيط) العميق الغور، ثم ولدت كرونوس (الزمن) الداهية الدهياء، أصغر وأقوى أبنائها شكيمة، وأعظمهم بأسا، وكان يكره أباه لشهوانيته.
كذلك أنجبت الأرض للسماء ثلاثة أبناء آخرين، وكان لهم من القوة والجبروت ما يعجز عنه الوصف، ويقصر عن ذكره اللسان. وكان يبرز من أكتافهم مائة ذراع لا يمكن الاقتراب منها. وكان لكل منهم خمسون رأسا فوق منكبيه وأعضائه الفتية. أما القوة الفتية التي في هياكلهم الضخمة فمن العسير مقاومتها؛ لأنهم كانوا أكثر الأبناء هولا وهيبة، دون سائر من ولد للأرض والسماء. وكان أبوهم يكرههم منذ البداية، ويمقتهم منذ ولادتهم، فمتى ولد أحدهم كان يخبئه في مكان خفي تحت الأرض، فلم يتكبدوا مشقة الصعود إلى حيث الضوء.
Página desconocida