وكما أن الأرض تمد إليه العشب الشافي بغير طائل
وما من نسمة تهدئ دمه الفوار،
كذلك فيما يبدو، يا أحبابي، قد أصبح حالي
ما من أحد يمكنه أن يرفع عن جبهتي الحلم المحزن.»
وتغالبه خواطر الموت فيخاطب إلهته قائلا: لا يليق بك أن تمسكي الرجل المقهور وتقيديه وتأخذيه معك إلى ليل الموت المرعب، ليستمر هناك في البحث أو الدعاء أو العراك معك، أو يصبر على القيد المخيف الذي حكمت به عليه، أو يستمع مبتسما لأغنيتك الرهيبة. ثم يخاطب نفسه ويقول: إن كل الأمر كذلك فانسي كل أمل في النجاة واستسلمي للنوم بلا صوت. ولكنه يعود فيلمح شعاعا في الظلام، ويتذكر أن اليأس لن يستطيع الإطباق عليه فيقول لنفسه: «ومع ذلك فإن صوت الأمل يبعث في صدرك. ولن يمكنك يا نفسي أن تتعودي على الظلام ومملكة الظلام، ولذلك فأنت تحلمين وسط النوم الحديدي ! إنك لست وحيدة كما تتصورين، فهناك شيء حبيب يقترب منك على الرغم من بعده، ولا بد أن أبتسم وأعجب كيف أحس السعادة والنعمة وأنا في قلب العذاب ...»
ثم تعاوده صور الحب القديم وأيامه الذهبية التي أضاءت ظلام لياليه، ويتذكر الحدائق الجميلة والجبال المكسوة بحمرة الشفق، والدروب الصامتة التي تشهد كلها بالسعادة السماوية التي عرفها في شبابه، ويناجي النجوم التي طالما أطلت عليه وهو يسير مع محبوبته وأرسلت إليه نظراتها الحنون، ويسمي «أطفال الربيع الجميلة» من زهور وزنابق بأسمائها، فكم كانت كلها قريبة من قلبه، أنيسة إلى نفسه، وكم كانت صادقة ومشرقة وبديعة. غير أن الأيام تأتي وتذهب، والعام يطارد العام، والزمن يركض مسرعا فوق رءوس الفانين. ومع ذلك فالعيون التي باركها الحب ترى الأمر رؤية أخرى، والأحباب تكتب لهم حياة مختلفة. فهم جميعا قد توجوا الساعات والأيام وأعوام النجوم والبشر بالبهجة والفرح والجد، وهم جميعا أبناء الأثير الأصلاء وقد عاشوا من حولنا، يا ديوتيما، يجمعهم الحب الأبدي الحميم ...
لكن ديوتيما قد غابت عنه والبيت أصبح خرابا:
آه! أين أنت الآن يا حبيبة؟
أخذوا مني عيني، وقلبي فقدته معها.
لهذا أهيم هنا وهناك، وعلي أن أعيش
Página desconocida