136

وهل ينتشر ظلام الليل في وضح النهار؟

إن الذي رأى أبعد مما رأت عين إنسان فان،

والذي أصيب بالعمى يتخبط الآن هنا وهناك،

أين أنت يا آلهتي؟

أتتركينني كالشحاذ؟

هكذا كان صمته الطويل أجل وأعظم من كل كلام قاله.

كان السكون يتنفس من كيانه الجميل الذابل ومن كل ما حوله. ولم يخل هذا السكون من حزن غامر ينشر ظلاله الطيبة عليه. ولم يكن غريبا عليه وهو الذي صاحب السكون في كل شيء، وظل حتى في كلامه ورسائله إلى أمه ومعارفه حييا وصموتا وضنينا بالكلمة. لقد بقي في أتعس سنوات عمره من أولئك الذين وصفهم بقوله: «أغنياء في الفكر فقراء في العمل». وهذا السكون الذي التف حوله هو علامة الغنى والخصب والثراء. وإذا كان لم يخل من الحزن الفاجع الأليم - فأشد الأحزان فجيعة وألما هو أشدها سكونا وصمتا - فهو كذلك لم يخل من الشعور بالهدوء والطمأنينة والسلام. إن كل أشعاره التي قالها وهو في هاوية الجنون لا تخلو من الحديث عن هذا السلام والسعادة بتغير المواسم والفصول، ومعظمها يتحدث عن الربيع والخريف والصيف والشتاء، ويصفها كما تراها عين طفل يسعد بالصور الحية الملونة الملموسة ويلاعبها ويداعبها ويناجيها.

كتب عن الربيع وحده تسع قصائد، أما الصيف فقد كتب فيه خمسا، والخريف اثنتين، وبلغ مجموع ما كتبه عن الشتاء ست قصائد. وليس هذا الإحصاء بغير دلالة على وجدان الشاعر واتجاه فكره وشعوره في هذه المرحلة المظلمة من حياته. فقد فقدت نظرته كما فقدت حياته لونها الذاتي ونغمتها الخاصة المتوترة، وأصبحت رؤيته للظواهر والأشياء رؤية موضوعية هادئة. اقرأ مثلا إحدى قصائده التسع التي كتبها كما يقول المؤرخون في عيد ميلاده الأخير:

4

ربيع

Página desconocida