India después de Gandhi: La historia de la democracia más grande del mundo
الهند ما بعد غاندي: تاريخ أكبر ديمقراطية في العالم
Géneros
المحور الثالث للنزاع هو «الدين»: فالغالبية العظمى من تعداد الهند الذي يفوق المليار نسمة تعتنق الديانة الهندوسية، إلا أن الهند بها كذلك ثاني أكبر جماعة سكانية مسلمة في العالم؛ نحو 140 مليون نسمة (إندونيسيا فقط يفوق عدد سكانها المسلمين ذلك العدد). إضافة إلى ذلك، ثمة جماعات كبيرة من المسيحيين والسيخ والبوذيين والجاينيين. وبما أن العقيدة ركن رئيسي من أركان هوية الإنسان مثلها مثل اللغة، فلا غرابة على الإطلاق في نشوب النزاعات أحيانا بين الهنود الذين يعبدون آلهة مختلفة.
يتمثل المحور الرئيسي الرابع في الطبقة الاجتماعية: فالهند بلد ذو تنوع ثقافي منقطع النظير، لكنها للأسف تنطوي أيضا على أوجه تفاوت اجتماعي هائلة؛ إذ ثمة رجال أعمال هنود فاحشو الثراء يمتلكون بيوتا ضخمة في لندن ونيويورك، إلا أن 26٪ من سكان الهند - أي قرابة 300 مليون فرد - يعيشون تحت خط الفقر الرسمي. في الريف، ثمة تفاوت بالغ في حيازة الأراضي، وفي المدينة، ثمة تباين كبير في الدخول . وكما هو متوقع، أشعلت تلك الاختلالات فتيل العديد من حركات الاحتجاج والمعارضة.
تعمل محاور الصراع فرادى وكذلك بالتوازي؛ فأحيانا تتحدث جماعة تعتنق ديانة بعينها لغة خاصة بها أيضا، وكثيرا ما تكون الطوائف الاجتماعية الدنيا هي كذلك طبقات المجتمع الدنيا. ربما يتعين علينا أن نضيف إلى تلك المحاور الأربعة محورا خامسا يتقاطع معها، ألا وهو: «الجنس»؛ ففي هذا الموضوع أيضا تنطوي الهند على تناقضات صارخة؛ ففي حين تولت امرأة منصب رئيس الوزراء 15 عاما كاملة، لا يزال وأد البنات شائعا جدا في بعض المناطق بالهند، ويتلقى العمال الذين لا يملكون أراضي أجورا زهيدة، أقلها على الإطلاق أجور العاملات منهم. والطوائف الاجتماعية الدنيا موصومة اجتماعيا، وبالأخص نساؤها. وينزع رجال الدين في الديانات كافة إلى وضع المرأة في مركز متدن في الدنيا والآخرة. يعد هذا المحور - بصفته محورا للتمييز - أكثر تغلغلا من المحاور الأخرى، وإن كان قليلا ما يعبر عنه في احتجاجات صريحة وجماعية.
تحمل الهند في القرن العشرين الأهمية ذاتها على الأقل بالنسبة إلى المؤرخين - باعتبارها مختبرا للصراعات الاجتماعية - التي تحملها أوروبا القرن التاسع عشر؛ ففي الحالتين نتجت الصراعات عن تلاقي عمليتي تغير اجتماعي لهما أثر تحولي حقيقي، ألا وهما: التصنيع وصناعة دول وطنية حديثة. في الهند كان مجال الشقاق أوسع، نظرا لتنوع جماعاتها المتنافسة من حيث الديانة والطائفة الاجتماعية والطبقة واللغة. ونجد الصراعات أوضح كذلك في الهند؛ إذ إن الهند المعاصرة - بخلاف أوروبا القرن التاسع عشر - دولة ديمقراطية قائمة على منح حق الاقتراع للبالغين، وبها صحافة حرة وسلطة قضائية مستقلة إلى حد بعيد، ولم يشهد زمان أو مكان في تاريخ البشر صراعات اجتماعية تتسم بمثل ذلك التنوع الثري، أو عبر عنها بتلك القوة، أو ظهرت بتلك البلاغة في الفن والأدب، أو تناولها النظام السياسي ووسائل الإعلام بتلك الصراحة.
ويمكن تلخيص تاريخ الهند المستقلة - ومحتويات ذلك الكتاب - في سلسلة من «خرائط الصراع»؛ إذ يمكننا أن نرسم خريطة للهند في كل عقد من الزمان، مع تعيين ألوان متنوعة للصراعات التي سادت آنذاك حسب شدتها : فيستخدم اللون الأزرق للصراعات المعبرة عن مصالح فئة بعينها بصورة ديمقراطية، واللون الأحمر للصراعات المطالبة بإحداث تغير أكبر في القانون بسبل أكثر عدوانية، وإن كانت ما زالت مسالمة، واللون الأسود للصراعات الساعية إلى تدمير الدولة الهندية بالسلاح.
وبقراءة تلك الخرائط حسب ترتيبها الزمني، من شأن المرء أن يجد تباينا كبيرا على مر العقود؛ إذ تصير المناطق الحمراء سوداء، وتصير المناطق السوداء حمراء، وتصير المناطق الزرقاء والحمراء بيضاء؛ وهو لون مناطق الهند التي لا يظهر فيها صراع كبير على الإطلاق. من شأن تلك الخرائط أن تقدم رسما مفعما بالألوان المتغيرة، إلا أنه في خضم تلك التغيرات كلها من شأن المراقب الفطن أن يلاحظ أيضا أن شيئين ظلا ثابتين لا يتغيران؛ أولا: أن شكل الخريطة لا يتغير خلال تكراراتها كلها، يعزى ذلك إلى أنه ما من جزء كبير من الهند نجح في «الانفصال» عنها. وثانيا: أن المناطق الزرقاء والحمراء والسوداء - مجتمعة - لم تقترب بأي شكل قط من حجم المناطق البيضاء على الخريطة. حتى خلال الفترة التي عرفت يوما باسم «عقود الخطر»، كان ما يربو كثيرا على 50٪ من سكان الهند يعيش في سلام هانئ.
وتزخر صحافة اليوم - الجادة والصفراء، واليسارية والمحافظة، والهندية والغربية - بقصص النجاحات الاقتصادية للهند، وهو ما يعد متنافرا مع ماضيها الحافل بالفقر والحرمان، إلا أن قصة النجاح الحقيقية للهند لا تكمن في ميدان الاقتصاد، بل السياسة. قد يكون الترحيب ب «طفرة البرمجيات» الهندية سابقا لأوانه؛ إذ إننا لا نعلم بعد ما إذا كانت تلك الطفرة ستسفر عن تحقيق الرخاء على نطاق أوسع لعامة الشعب أم لا، إلا أن بقاء الهند دولة واحدة بعد مرور ستين عاما عصيبة على استقلالها، واحتفاظها بديمقراطيتها إلى حد كبير هما حقيقتان ينبغي أن نوليهما اهتماما أكبر؛ فقد تبين من تحليل إحصائي أجري مؤخرا للعلاقة بين الديمقراطية والتنمية في 135 بلدا أن «احتمالية فشل الديمقراطية في الهند كانت شديدة الارتفاع»؛ فنظرا لانخفاض مستويات الدخل ونسبة المتعلمين في الهند، وارتفاع مستويات الصراع الاجتماعي، فإنه «كان المتنبأ لها أن تكون دولة دكتاتورية خلال فترة الدراسة بأكملها». وبما أنها فعليا كانت دولة ديمقراطية طوال تلك الفترة (باستثناء عامين)، فقد كان ثمة سبيل وحيد لوصف الهند، وهو: أنها «قيمة شاذة كبيرة».
11
ربما يحتاج المرء في تفسير ذلك الشذوذ - أو تلك المفارقة - إلى نبذ طرائق علم الاجتماع الإحصائي، الذي دائما ما ستكون الهند استثناء القاعدة فيه، والاستعاضة عنها بالأساليب الأكثر بدائية الخاصة بالتأريخ السردي؛ فقوى الشقاق في الهند متعددة، ويوليها هذا الكتاب الاهتمام الواجب، إلا أن ثمة قوى أبقت على الهند متحدة أيضا، وساعدت على تجاوز أوجه الشقاق الطبقية والثقافية أو احتوائها، وأبطلت - حتى هذه اللحظة على الأقل - تلك التنبؤات المتعددة القائلة بأن الهند لن تظل متحدة ولن تظل ديمقراطية. تلك القوى ليست ظاهرة بالقدر ذاته، ويتمثل أحد أهداف هذا الكتاب في تسليط ضوء أكبر عليها. أظنه من السابق لأوانه أن نعرفها الآن؛ فسوف تتكشف مع تقدم السرد. يكفي أن نقول إنها تضمنت أفرادا ومؤسسات على السواء.
5
Página desconocida