Sabiduría Occidental

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
181

Sabiduría Occidental

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Géneros

لقد كان عصر التنوير في جوهره عودة إلى تقدير النشاط العقلي المستقل، تستهدف - بالمعنى الحرفي - نشر النور حيث كان الظلام يسود من قبل. ومن الجائز أن الناس كانوا يسعون إلى نشر هذا النور مدفوعين بروح من التفاني والحماس، غير أن سعيهم هذا لم يكن يمثل أسلوبا في الحياة يرتكز على الانفعالات العارمة. ومع ذلك فقد بدأ يظهر عندئذ تأثير قوة مضادة: هو القوة العاتية للرومانتيكية.

إن بين الحركة الرومانتيكية وحركة التنوير علاقة تذكرنا في نواح معينة بالنظرة الديونيزية في مقابل الأبولونية. فجذورها ترجع إلى ذلك التصور المصطبغ بصبغة مثالية، والذي كونه عصر النهضة عن اليونان القديمة. وقد تطورت الحركة في فرنسا خلال القرن الثامن عشر بحيث أصبحت عبادة للانفعالات، وكانت في هذا التطور تمثل رد فعل على الموضوعية الباردة المترفعة لدى المفكرين العقليين. وبينما كان الفكر السياسي لدى العقليين يسعى، منذ أيام هبز، إلى إقرار الاستقرار الاجتماعي والسياسي والمحافظة عليه، فقد كان الرومانتيكيون يفضلون العيش في خطر، ومن هنا أخذوا يبحثون عن المغامرات بدلا من السعي إلى الأمان، واحتقروا الراحة والسلامة على أساس أنها تحط من قدر الإنسان، ورأوا - نظريا على الأقل - أن الحياة المعرضة للخطر هي الأسمى. وهكذا انبثقت الفكرة المصطبغة بالصبغة المثالية، فكرة الفلاح الفقير الذي يحيا حياة شظف من جهده الذي يبذله في قطعة أرضه الصغيرة، ولكنه يعوض عن هذا بأن يعيش حرا، ويظل بمنأى عن فساد حضارة المدن. لقد كانوا يولون قيمة خاصة للاحتفاظ بالصلة الوثيقة مع الطبيعة، وكان نوع الفقر الذي يتحمسون له ريفيا في جوهره، أما حركة التصنيع فكانت لعنة في نظر الرومانتيكيين الأوائل، ولقد كانوا في ذلك على حق لأن الثورة الصناعية جلبت الكثير من القبح، على المستويين الاجتماعي والمادي، ولكن في العقود التالية ظهرت نظرة رومانتيكية إلى الطبقة العاملة الصناعية، بتأثير الماركسية، ومنذ ذلك الحين تمت الاستجابة للكثير مما كان يشكو منه العمال الصناعيون. ومع ذلك فإن النظرة الرومانتيكية إلى «العامل » ما زالت سائدة في السياسة.

وقد ارتبط بالحركة الرومانتيكية إحياء للروح القومية. ولنذكر في هذا الصدد أن الجهود العقلية الكبرى في العلم والفلسفة كانت في صميمها بعيدة عن المشاعر القومية، كما كانت حركة التنوير قوة لا تعرف حدودا سياسية، حتى على الرغم من أنها لم تستطع أن تزدهر في بلاد مثل إيطاليا وإسبانيا، جنبا إلى جنب مع الكاثوليكية. أما الرومانتيكية فقد عملت على تقوية الفوارق القومية وساعدت على ظهور تصورات صوفية للوطنية. ولقد كانت هذه إحدى النتائج غير المتوقعة التي ترتبت على كتاب التنين، لهبز؛ إذ أصبحت الأمة تعد شخصا على نطاق أوسع، يملك نوعا من الإرادة الخاصة به، هذا الشعور القومي الجديد أصبحت له السيطرة على القوى التي أشعلت ثورة 1789م. أما إنجلترا، التي كانت تملك، لحسن حظها، حدودا طبيعية، فكانت قد اكتسبت الحس القومي في ظروف أهدأ بكثير، وبدا أن مركزها وسط الظروف العامة للعالم منيعا لا يمكن مهاجمته. وفي مقابل ذلك فإن الجمهورية الفرنسية الفتية، التي كان يتربص بها حكام معادون من كل الجوانب، لم يكن في وسعها أن تنمي في داخلها مثل هذا الاقتناع التلقائي بهويتها. أما في حالة الألمان فقد كان مثل هذا الاقتناع أصعب حتى من ذلك، لا سيما بعد أن احتلت جيوش نابليون الإمبراطورية أراضيهم. وعندما نشبت حروب التحرير في عام 1813م، كانت تستلهم فورة عارمة من الحس الوطني، وأصبحت بروسيا هي النقطة التي تتجمع عندها الأماني القومية الألمانية. ومن الطريف أن نلاحظ أن بعضا من الشعراء الألمان العظام قد تنبئوا بأن هذا أمر قد يجلب المتاعب في المستقبل.

2

لقد ازدرى الرومانتيكيون كل ما له علاقة بالمنفعة، وارتكزوا في كل شيء على المعايير الجمالية، وهذا ينطبق على آرائهم في السلوك والأخلاق، وكذلك في المسائل الاقتصادية، إن كانت هذه المسائل قد طافت بفكرهم. وفيما يتعلق بأوجه الجمال في الطبيعة، كان ميلهم يتجه إلى الجمال العنيف والمترفع، وقد بدت لهم حياة الطبقة الوسطى مملة مقيدة بأعراف خانقة. والحق أنهم كانوا في هذا الرأي على حق. وإذا كنا قد أصبحنا اليوم أكثر تسامحا بالنسبة إلى هذه القيود، فإن من أهم أسباب ذلك تمرد الرومانتيكيين الذين تحدوا أعراف عصرهم.

ويمكن القول إن الرومانتيكية قد مارست تأثيرها من الوجهة الفلسفية في اتجاهين متعارضين، فهناك أولا التأكيد المفرط للعقل، ومعه الأمل الهادئ في أننا لو أعملنا عقلنا بمزيد من القوة في المشكلات التي تواجهنا، لحلت كافة صعوباتنا إلى الأبد. هذا النوع من العقلانية الرومانتيكية، الذي لم يكن يعرفه مفكرو القرن السابع عشر، يظهر في أعمال المثاليين الألمان، وبعدهم في فلسفة ماركس. كذلك يظهر تأثيره لدى النفعيين، وذلك في افتراضهم أن الإنسان، بالمعنى المجرد، قابل للتشكل إلى غير حد عن طريق التعليم، وهو أمر واضح البطلان. والواقع أن الأفكار الطوباوية بوجه عام، سواء أكانت ثقافية خالصة أم منتمية إلى الميدان الاجتماعي، إنما هي نواتج تمثل العقلانية الرومانتيكية خير تمثيل. ومع ذلك فقد أدت الحركة الرومانتيكية ذاتها إلى الإقلال من قدر العقل. ويمكن القول إن هذا الموقف اللاعقلي، الذي ربما كانت الوجودية أشهر مظاهره، هو في جوانب معينة تمرد على العدوان المتزايد الذي كان يمارسه المجتمع الصناعي على الفرد.

كان أشد مؤيدي الرومانتيكية تحمسا هم الشعراء، فربما كانت أشهر شخصية رومانتيكية هي شخصية بايرون؛ إذ نجد فيه كل العناصر التي يؤدي امتزاجها إلى تكوين رومانتيكي بالمعنى الكامل. ففيه نجد التمرد، والتحدي، واحتقار الأعراف السائدة، والتهور والمسلك النبيل. ويمكن القول إن الموت في مستنقعات ميسولونجي

Missolonghi

دفاعا عن قضية الحرية عند اليونانيين، إنما هو أعظم تعبير رومانتيكي على مر التاريخ. ولقد مارس بايرون تأثيره على الشعر الرومانتيكي اللاحق في ألمانيا وفرنسا. كما أن الشاعر الروسي ليرمونتوف

Lermontov

Página desconocida