Sabiduría Occidental

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
179

Sabiduría Occidental

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Géneros

والتجاور

contiguity

في المكان والزمان، والعلة والمعلول. وهو يطلق على هذه العلاقات اسم العلاقات الفلسفية، لأنها تقوم بدور في المقارنة بين الأفكار، وهي تناظر في نواح معينة أفكار الانعكاس عند لوك، التي تنشأ كما رأينا عندما يقارن العقل بين محتوياته الخاصة. ويمكن القول إن التشابه يتدخل بقدر ما في جميع حالات العلاقات الفلسفية، ما دامت المقارنة بدونه مستحيلة. ويميز هيوم بين سبعة أنواع من هذه العلاقات: التشابه، والهوية، وعلاقات الزمان والمكان، والعلاقات العددية، ودرجات الكيف، والتضاد، والعلية. ومن بين هذه الأنواع يختار بوجه خاص الهوية وعلاقات المكان والزمان، والعلية، بعد أن أثبت أن الأنواع الأربعة الأخرى تعتمد فقط على الأفكار التي تحدث المقارنة بينها. مثال ذلك أن العلاقات العددية في شكل هندسي معين تعتمد فقط على فكرة ذلك الشكل، وهذه العلاقات الأربعة هي التي توصف بأنها تؤدي إلى معرفة ويقين. أما في حالة الهوية والعلاقات المكانية الزمانية، والعلية، فإننا في الحالات التي لا نستطيع فيها أن نقوم باستدلالات تجريدية، يتعين علينا أن نعتمد على التجربة الحسية. والعلية هي الوحيدة من بين هذه العلاقات التي لها وظيفة حقيقية في الاستدلال، ما دامت الأخريان تعتمدان عليها، فلا بد من الاستدلال على هوية موضوع ما بناء على مبدأ سببي ما، وكذلك الحال في العلاقات المكانية الزمانية. ومن الجدير بالملاحظة هنا أن هيوم كان في كثير من الأحيان ينزلق سهوا إلى أساليب الحديث العادية عن الأشياء، في الوقت الذي كانت دواعي الدقة تحتم عليه فيه أن يقتصر في نظريته على الحديث عن الأفكار فحسب .

ويقدم هيوم بعد ذلك تفسيرا نفسيا للطريقة التي نتوصل بها إلى علاقة العلية من التجربة. فالارتباط المتكرر لموضوعين من نوع معين في الإدراك الحسي يكون عادة ذهنية تؤدي بنا إلى الربط بين الفكرتين اللتين تنتجهما الانطباعات. وعندما تبلغ هذه العادة حدا كافيا من القوة، فإن مجرد ظهور موضوع واحد في الحس يستدعي في الذهن ترابط الفكرتين. فليس في هذا شيء حتمي أو ضروري، وإنما العلية، حسب تعبيره، عادة ذهنية.

على أن معالجة هيوم ليست متسقة كل الاتساق؛ ذلك لأننا قد رأينا من قبل أن الترابط ذاته يوصف بأنه ناشئ عن العلية، على حين أن العلية هنا تفسر من خلال الترابط. ومع ذلك فإن مبدأ الترابط، من حيث هو تفسير لطريقة تولد العادات الذهنية، أداة مفيدة للتفسير السيكولوجي، ما زال لها تأثيرها الهام. أما بالنسبة إلى هيوم ذاته، فليس من حقه في الواقع الكلام عن عادات أو استعدادات ذهنية، أو على الأقل ليس من حقه الكلام عن تكوينها. ذلك لأنه في اللحظات التي كان فيها يلتزم الدقة الكاملة، كان يصف الذهن، كما رأينا، بأنه مجرد تعاقب للإدراكات. وهكذا لا يوجد شيء يمكنه تنمية عادات، كما لا ينفع القول إن تعاقبات الإدراكات تؤدي واقعيا إلى تطوير أنماط معينة، ما دام التعبير ذاته، حتى في صورته المجردة، يتم عن غموض، ما لم يكن في وسعنا، على نحو ما، أن نجعل ذلك التطوير يبدو أكثر من مجرد صدفة موفقة.

إن من الواضح قطعا أن ضرورة الارتباط بين العلة والمعلول، كما يطالب بها العقليون، لا يمكن أن تستخلص من نظرية المعرفة عند هيوم؛ ذلك لأننا مهما صادفنا من تجمعات دائمة ومنتظمة، لن نستطيع أن نقول في أية مرحلة إن انطباع الضرورة قد أضيف إلى تعاقبات الانطباعات. وهكذا يستحيل قيام فكرة عن الضرورة. ولكن لما كان بعض الناس عقليين، وميالين إلى الرأي المخالف، فلا بد أن تكون هناك آلية نفسية معينة هي التي تضللهم. وهنا بالضبط يأتي دور العادات الذهنية. فالتجربة تعودنا على أن نرى النتائج تترتب على أسبابها العديدة، بحيث ننقاد في نهاية المطاف إلى الاعتقاد بأن الأمر لا بد أن يكون كذلك. ولكن هذه الخطوة الأخيرة هي التي يستحيل تبريرها إذا ما قبلنا مذهب هيوم التجريبي.

ويختم هيوم مناقشته للعلية بوضع قواعد نحكم بها على العلل والمعلومات. وهو هنا يستبق بمائة عام قواعد الاستقراء عند جون إستورت مل. ولكن هيوم يستعيد، قبل عرض هذه القواعد، بعضا من السمات الرئيسية للعلية. فهو يقول: «إن أي شيء يمكنه أن ينتج أي شيء.» وبذلك يذكرنا بعدم وجود ما يسمى بالارتباط. أما القواعد ذاتها فعددها ثمانية. أولها تنص على أن «العلة والمعلول ينبغي أن يكونا متجاورين في المكان والزمان.» والثانية هي أن «السبب يجب أن يسبق النتيجة.» والثالثة هي أن «من الضروري وجود تلازم دائم بين السبب والنتيجة.» وتلى ذلك عدة قواعد فيها استباق لقوانين مل؛ ففي القاعدة الرابعة، يقول إن السبب الواحد ينتج دائما نتيجة واحدة، وهو مبدأ يقول هيوم إننا نستمده من التجربة. وتترتب على ذلك القاعدة الخامسة، التي تقول إنه حيثما يكون لأسباب متعددة نتيجة واحدة، لا بد أن يحدث ذلك عن طريق شيء مشترك بين هذه الأسباب جميعا، وبالمثل نستدل على القاعدة السادسة التي تقول إن الاختلاف في النتيجة يكشف عن اختلاف في السبب. أما القاعدتان الأخيرتان فلا داعي لذكرهما هنا.

إن النتيجة التي يؤدي إليها بحث هيوم للمعرفة هي موقف الشك. ولقد رأينا من قبل أن شكاكي العصور القديمة كانوا معارضين لأصحاب المذاهب الميتافيزيقية. على أن لفظ «الشكاك» لا ينبغي أن يفهم بالمعنى الشعبي الذي اكتسبه منذ ذلك الحين، والذي يوحي بنوع من التردد المزمن، فاللفظ اليوناني الأصلي يعني ببساطة شخصا يبحث بعناية ودقة. فعلى حين أن أصحاب المذاهب كانوا يشعرون بأنهم وجدوا إجاباتهم، كان الشكاك أقل تأكدا، ومن ثم فقد واصلوا البحث، ولكن بمضي الوقت أصبح الاسم الذي يعرفون به يدل على افتقارهم إلى الثقة، أكثر مما يدل على استمرارهم في البحث. وبهذا المعنى كانت فلسفة هيوم شكاكة. ذلك لأنه، كالشكاك، توصل إلى النتيجة القائلة إن هناك أشياء معينة نأخذها في حياتنا اليومية قضية مسلما بها، بينما لا يمكن تبريرها على أي نحو. وبالطبع ينبغي ألا يتخيل المرء أن الشكاك عاجز عن أن يتخذ موقفا محددا إزاء المشاكل الجارية التي تواجهه خلال مسار الحياة اليومية. ولذا فإن هيوم، بعد أن عرض موقف الشك، صرح بوضوح قاطع بأن هذا لا يؤدي إلى الوقوف في وجه أعمال المرء العادية: «لو سئلت هنا عما إذا كنت أوافق بصدق على هذه الحجة، التي يبدو أنني أجهد نفسي من أجل دعمها، وعما إذا كنت بحق واحدا من هؤلاء الشكاكين الذين يرون أن كل شيء غير مؤكد، وأن حكمنا على أي شيء لا يتسم بأي قدر من الحقيقة أو البطلان، لأجبت أن هذا السؤال لغو في صميمه، وأنني لم أكن أبدا أقول بهذا الرأي بإخلاص وثبات، ولا كان أي شخص آخر يقول به. فقد حتمت علينا الطبيعة، بحكم ضرورة مطلقة وقاهرة، أن نصدر أحكاما مثلما نتنفس ونشعر ... أما ذلك الذي يجهد نفسه من أجل تفنيد أخطاء هذا الشك الكامل، فإنه في الواقع قد دخل في نزاع ليس له فيه معارض ...»

أما عن نظرية الأفكار التي عرضها لوك، فإن تطوير هيوم لها يبين بجلاء تام إلى أين تؤدي مثل هذه النظرية في النهاية. ذلك لأن المرء لا يستطيع أن يسير في هذا الطريق أبعد من ذلك. أما إذا كان المرء يعتقد أننا عندما نتحدث عادة عن العلية لا نعني ما يقول هيوم إننا نعنيه أو ينبغي أن نعنيه، فعندئذ يكون من الضروري البدء من جديد. فمن الواضح تماما أنه لا العلماء ولا الإنسان العادي ينظرون إلى العلية على أساس أنها تلازم دائم فحسب. أما رد هيوم على هذا فهو أنهم جميعا على خطأ إذا كانوا يقصدون شيئا آخر، ولكن ربما كان هيوم يستبعد موقف العقليين باستخفاف زائد عن الحد. ذلك لأن المذهب العقلي يصف على نحو أفضل بكثير ما يقوم به العالم، وهذا ما اتضح لنا في حالة اسبينوزا . إن هدف العلم هو عرض العلاقات السببية من خلال نسق استنباطي تلزم فيه النتائج عن الأسباب مثلما تلزم نتيجة البرهان الصحيح عن مقدماته، أي أنها تلزم بالضرورة. ولكن نقد هيوم يظل صحيحا بالنسبة إلى المقدمات ذاتها، فلا بد أن نظل نلتزم موقفا فاحصا أو شكاكا من هذه المقدمات.

لقد ذكرنا من قبل أن اهتمام هيوم الأول يتركز في علم الإنسان. وهنا يؤدي موقف الشك إلى تغيير جذري في ميداني الأخلاق والدين؛ ذلك لأننا، ما إن نثبت عدم قدرتنا على معرفة الارتباطات الضرورية، حتى تتهاوى قوة الأوامر الأخلاقية بدورها، وذلك على الأقل إذا كان من المرغوب فيه تبرير المبادئ الأخلاقية بحجج عقلية. فهنا يصبح أساس الأخلاق مماثلا في ضعفه للسببية ذاتها عند هيوم. ولكن هيوم نفسه يعترف بأن هذا سيجعلنا، من الوجهة العملية، أحرارا في اتخاذ أي رأي نشاء، حتى لو لم يكن في وسعنا تبريره.

Página desconocida