Sabiduría Occidental
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Géneros
Meyerson . ويصدق ذلك أيضا على التفسيرين المنفعي
Utilitarian
والبرجماتي لطبيعة الرياضيات. ومن جهة أخرى فإن مفهوم الاعتباطية قد استهوى عقول الشكليين، الذين ينظرون إلى الرياضيات على أنها لعبة شديدة الاتساع. وبالطبع فإن من الصعب أن نذكر في جميع الحالات ما مقدار التأثير المباشر الذي مارسه فيكو. غير أننا نعرف عن ماركس وسوريل أنهما درسا أعمال فيكو، ومع ذلك فإن للأفكار في كثير من الأحيان طرقا خفية لإشعار الناس بها بنيران يصبح تأثيرها محسوسا بوعي. وهكذا فإن أعمال فيكو على الرغم من أنها لم تكن معروفة على نطاق واسع، تحوي بذورا لكثير من التطورات التي طرأت على الفلسفة في القرن التاسع عشر.
أما النتيجة الرئيسية الثانية لمبدأ فيكو فهي نظرية التاريخ. فقد كان يرى أن الرياضيات يمكن أن تعرف معرفة كاملة لأنها من صنع الإنسان، ولا تشير إلى الواقع الفعلي. أما الطبيعة فلا يمكن معرفتها على نحو كامل لأنها من صنع الله، وإن كانت تشير إلى الواقع. وهذه مفارقة لا تزال حية إلى يومنا هذا عند كل من يرى في الرياضيات تركيبا ذهنيا خالصا، على أن فيكو حاول أن يهتدي إلى علم جديد، يكون قابلا للمعرفة الكاملة من جهة، وينصب على العالم الواقعي من جهة أخرى. وهذا ما وجده في التاريخ، حيث يتضافر الإنسان والله، وهو رأي يقلب الرأي التقليدي رأسا على عقب، لأن أتباع المدرسة الديكارتية كانوا يستبعدون التاريخ على أساس أنه غير علمي. وقد أعيد إحياء الرأي القائل إن المجتمع قابل في ذاته لأن يعرف خيرا من المادة الجامدة في القرن الماضي، على يد الفيلسوف الألماني دلتاي
Dilthey ، وعالمي الاجتماع مكس فيبر
Max Weber
وزومبارت
Sombart .
ويقدم فيكو فرضه الجديد على أكمل وجه في كتاب أسماه «العلم الجديد»، وهو كتاب وضع له فيكو صيغا متعددة. على أن هذا الكتاب يمثل مشكلة بالنسبة إلى القارئ الحديث، لأنه مزيج من عناصر متعددة لا يمكن في كل الأحوال التمييز بينها كما يجب. فالمؤلف يبحث، إلى جانب المسائل الفلسفية، في مشكلات تجريبية، وفي مسائل تاريخية مباشرة، ومن الصعب الفصل بين اتجاهات البحث المتعددة هذه. بل إنه ليبدو أحيانا أن فيكو ذاته لم يكن واعيا بأنه ينزلق من نوع من المسائل إلى نوع آخر. ولكن، على الرغم من هذه العيوب والغوامض كلها، فإن الكتاب يعرض نظرية عظيمة الأهمية.
فما المقصود إذن بالقول إن الحقيقة هي ذاتها الشيء الذي يتم فعله، أو الواقعة؟ لو اختبرنا هذا المبدأ غير التقليدي عن كثب، لاستخلصنا منه بعض النتائج الصحيحة كل الصحة على المستوى الإبستمولوجي (المعرفي). ذلك لأن من الصحيح أن الفعل يمكن أن يساعدنا في تحسين معرفتنا، ولا جدال في أن أداء فعل ما بطريقة ذكية يزيد من فهم المرء له. وواضح أن هذا يحدث على أوضح نحو ممكن في ميدان الفعل أو الجهد البشري. ومن الأمثلة الجيدة التي توضح ذلك، فهمنا للموسيقى؛ إذ لا يكفي لكي نجيد فهم قطعة موسيقية، أن نستمع إليها، بل ينبغي إعادة بنائها إن جاز التعبير عن طريق قراءة المدونة أو عزفها، حتى لو تم ذلك بطريقة تفتقر نسبيا إلى المهارة والخبرة. ذلك لأن هذه هي بعينها الطريقة التي تكتسب بها المهارة والخبرة بالتدريج، غير أن مثل هذا الرأي يصدق على البحث العلمي بدوره، فالمعرفة الفعالة بما يمكن عمله بالمادة موضوع البحث تكسب المرء سيطرة على الواقع تفوق تلك التي يكتسبها من مجرد المعرفة الخارجية المجردة. وهذه فكرة ترتكز عليها فلسفة بيرس
Página desconocida