Sabiduría Occidental
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Géneros
Johannes Scotus Erigena ، فيلسوف القرن التاسع، الذي كان من أتباع الأفلاطونية الجديدة، وكان عالما في اليونانيات، كما كانت نظرته العامة متأثرة ببيلاجوس، بينما كان في اللاهوت يقول بشمول الألوهية. وعلى الرغم من أفكاره غير المألوفة، يبدو أنه استطاع أن يفلت على نحو ما من الاضطهاد.
والواقع أن حيوية الثقافة الأيرلندية في ذلك العصر كانت ترجع إلى مجموعة من الظروف المواتية؛ فعندما بدأت بلال الغال تعاني من موجات متلاحقة من غزو البرابرة، حدث انتقال واسع النطاق لرجال العلم نحو الغرب الأقصى الذي يكفل لهم مزيدا من الحماية.
غير أن من ذهبوا منهم إلى إنجلترا لم يتمكنوا من الاستقرار بين الإنجليز والسكسون والجوت
Jutes ، الذين كانوا وثنيين. أما أيرلندا فكان فيها الأمان، وعلى هذا النحو وجد فيها كثير من رجال العلم ملاذا، بل إن من الواجب أن نحسب بداية العصور المظلمة ونهايتها في إنجلترا بدورها بطريقة مختلفة. فقد حدث انهيار في عصر الغزوات الأنجلوسكسونية، ولكن حدث إحياء في عهد ألفرد الأكبر. وهكذا فإن الفترة المظلمة قد بدأت وانتهت هناك قبل مائتي عام. وأدت الغزوات الدنمركية في القرنين التاسع والعاشر إلى عرقلة تطور إنجلترا، وإلى نكسة دائمة في أيرلندا؛ ففي هذه المرة حدثت هجرة جماعية للعلماء في الاتجاه المعاكس، أما روما فكانت أبعد من أن تستطيع ممارسة الإشراف على شئون الكنيسة الأيرلندية. وهكذا لم تكن سلطة الأساقفة طاغية، ولذلك لم يضيع علماء الأديرة وقتهم في النزاع حول العقائد الجامدة. وهكذا أصبحت النظرة المتحررة لإريجينا ممكنة، على حين أنها لو كانت قد ظهرت في مكان آخر لووجهت بعقاب فوري.
ولسنا نعرف عن حياة يوحنا (إريجينا) إلا القليل، باستثناء الفترة التي كان فيها ملتحقا ببلاط شارل الأصلع
Charles the Bald
ملك فرنسا. ويبدو أنه عاش ما بين عامي 800 و877م، وإن كانت التواريخ غير مؤكدة. وفي عام 843م دعي إلى البلاط الفرنسي ليشرف على مدرسة البلاط. وهناك دخل في نزاع حول مسألة الجبر والاختيار؛ فقد كان يوحنا منحازا إلى جانب الاختيار، وكان يرى أن جهود المرء الخاصة في سبيل الفضيلة تؤتي أكلها. غير أن الأمر الذي أثار حفيظة الكنيسة ضده لم يكن نزعته البيلاجية
هذه برغم خطورتها، بل كان معالجته للمسألة بطريقة فلسفية بحتة؛ فهو يرى أن العقل والنقل مصدران مستقلان للحقيقة، لا يتداخلان ولا يتعارضان. أما إذا بدا في حالة معينة أن ثمة تعارضا فلا بد من الوثوق بالعقل أكثر من النقل. والواقع أن العقيدة الحقة هي بعينها الفلسفة الحقة، والعكس بالعكس. غير أن وجهة النظر هذه لم ترق لأعين قساوسة بلاط الملك الذين كانوا أضيق أفقا، فأدينت الرسالة التي عالج فيها يوحنا هذه الموضوعات، ولم ينقذه من العقاب إلا صداقة الملك الشخصية. وقد مات شارل في عام 877م، وفي العام نفسه مات صديقه العالم الأيرلندي.
كان يوحنا واقعيا في فلسفته بالمعنى المدرسي لكلمة الواقعية ، وهذا استعمال اصطلاحي للفظ ينبغي أن يكون واضحا في أذهاننا.
فالواقعية ترجع في أصلها إلى نظرية المثل كما عرضها سقراط الأفلاطوني؛ ولذلك فهي تذهب إلى أن الكليات أشياء، وأنها تسبق الجزئيات. أما المعسكر المضاد فيرتكز على المذهب التصوري
Página desconocida