يتمطى بنيانه قائما ويمضي نحو زلومة وكأنما يراه، يقبض على منكبه، لا أدري ماذا يفعل به ولكني أرى الرجل وهو يصرخ ويتلوى ويستغيث.
ويتجمهر أناس كثيرون، يخلصون بينهما بعناء شديد، يبدر من البعض كلمات غاضبة: افتراء وظلم. - أنت وحش. - أنت لا تخاف الله!
ويصيح إبراهيم القرد: عليكم اللعنات.
ويغضب أحدهم فيرميه بسلة محطمة ملقاة .
ويثور القرد، أجل يثور ثورة أكبر من ثورة مظاهرة زاخرة، كأنما هرست له دملا، يجن جنونه، يهدر بأقذع الشتائم، يشهر نبوته ويدور به ويضرب به كل مكان فيرتطم بالجدران والأشياء، ينشر الفزع في دائرة آخذة في الاتساع، يتفرق الرجال، يركضون، يتلاطمون، يعثرون فيسقطون، يصيحون، يستغيثون، القرد ينقلب قوة عمياء مدمرة تجتاح الحارة، يلوذ الناس بالأزقة الجانبية، تغلق الدكاكين، تتحطم الكراسي والسلع وتنقلب السلال والمقاطف.
وتتدفق قوات الشرطة على الحارة، يذهل الضابط عندما يدرك أن المعتدي ما هو إلا شحاذ ضرير، ثم يأمر جنوده بإلقاء القبض عليه.
وتتجدد المعركة بين القرد والجنود، يخوضها الجنود، عزلا من السلاح بأمر من الضابط ولكنهم لا يلبثون أن يتطايروا في الهواء كاللعب، إنه قوة لا تغلب.
ويتجمع الغلمان في الأطراف ويشجعون القرد بهتاف صاخب، الحق أنني لم أر رجال الداخلية من قبل على حال من التعاسة كما أراهم الآن، ويصيح الضابط من داخل بدلته البيضاء ذات الشريط الأحمر: يا قرد، ستضرب بالرصاص إن لم تسلم نفسك في الحال.
ولكن القرد يتمادى في التحدي منتشيا بثورة القوة والنصر، ويرحمه الضابط فلا يأمر باستعمال هراوة أو بندقية، ولكنه يستدعي بعض رجال المطافئ.
ويتدفق الماء من الخرطوم كالشلال، فينصب بقوته التي لا مفر منها على القرد، يرتبك القرد ويتعثر ويدور حول نفسه مترنحا منهزما حانقا قاذفا بسيل من السباب المقذع، ثم يتهاوى فوق أديم الأرض بلا حول، فينقض عليه الجنود بالأغلال.
Página desconocida