فتتساءل أمي: كيف وبنتك عاقلة وحافظة كلام ربنا؟ - قالوا لي إنه معمول لها عمل، فذهبت إلى الشيخ لبيب، وزرت الأضرحة ونذرت النذور.
ولكن هنية تصر على رفض يد حامد، وتغضب أمها وتلطمها على وجهها وتصيح بها: تفضلين عليه المجرم؟ بعدك، ولكن مكتوب عليك الشقا.
ويتراجع حامد المراكيبي ويتلاشى، ويبدأ حمام جادا في التفكير في أعباء الزواج وما يقتضيه من التزامات جديدة نحو مظهره وسلوكه، غير أنه يتهم في هذه الأثناء بجريمة السرقة مع الإكراه، فيقبض عليه ويزج في السجن عامين.
تبتهج علوانة الدلالة بالحل الذي جادت به السماء، وتقول لهنية: أرأيت؟ سبحان الله الذي لا يعلو على برهانه برهان.
ولكن هنية تصر على رفض حامد المراكيبي، وتغرق في حزن عميق، حتى يشفق عليها الغاضبون، ويقول كثيرون إنه لا حيلة لها في الحزن، وإن حمام لا يقتلع من قلبها بلا أثر. ولكنها تصر على الرفض حتى يمر العامان ويرجع حمام إلى الحارة، وتدب الحياة من جديد في هنية ويجن جنون أمها. ويلقى حمام صعوبة في العودة إلى عمله الأول أو الالتحاق بأي عمل آخر، ثم يرى سارحا بلحمة رأس وطبلية، ويتساءل كثيرون: من أين جاء برأس المال؟ ولا يعلم إلا فيما بعد أن هنية هي التي أمدته بأسورة ذهبية.
وتثور علوانة ثورة عنيفة، وتستعدي على ابنتها القريب والجار، غير أن هنية تعقد قرانها بحمام في القسم، وتحت حماية الشرطة.
وأشهد بأنها زيجة موفقة، فهنية تشاركه في العمل وتدبره له بحكمة يعجز عنها عقله المشتت حتى ينجح - أو بالأحرى تنجح هي - في فتح دكان له، أما الذكريات القديمة، فلم يعد من المهم أن يذكرها أحد.
الحكاية رقم «35»
في موسم القرافة نزور أحيانا حوشا غير بعيد من حوشنا، أرى رجلا يقيم في حجرة المواسم إقامة دائمة، كما يستدل من وجود الفراش والكنبة والصوان، أسأل أمي عن هويته فتقول: ابن عمة أبيك رضوان أفندي. - لماذا يقيم في الحوش؟
تتجاهل وقتها سؤالي، وألاحظ خلو الحجرة من الرجل في عام تال، وأعلم أنه انتقل من الحجرة إلى القبر، ثم أسمع قصته فيما بعد لمناسبة لا أذكرها.
Página desconocida