Cuentos de Hadas de Hans Andersen: La Primera Colección
حكايات هانس أندرسن الخيالية: المجموعة الأولى
Géneros
مقدمة
شجرة التنوب
تاك الصغير
فرخ البط القبيح
زهور آيدا الصغيرة
الجندي الصفيح الصامد
عقلة الإصبع
قصص الشمس
إبرة الرفو
بائعة أعواد الثقاب الصغيرة
Página desconocida
الحبيبان
مباراة القفز
الأسرة السعيدة
الكائنات الخضراء الصغيرة
أول لوك اوي، رب الأحلام
الحصالة
شجرة البيلسان الأم
ملكة الثلج
الورود والعصافير
المنزل القديم
Página desconocida
فرع شجرة التفاح المغرور
مقدمة
شجرة التنوب
تاك الصغير
فرخ البط القبيح
زهور آيدا الصغيرة
الجندي الصفيح الصامد
عقلة الإصبع
قصص الشمس
إبرة الرفو
Página desconocida
بائعة أعواد الثقاب الصغيرة
الحبيبان
مباراة القفز
الأسرة السعيدة
الكائنات الخضراء الصغيرة
أول لوك اوي، رب الأحلام
الحصالة
شجرة البيلسان الأم
ملكة الثلج
الورود والعصافير
Página desconocida
المنزل القديم
فرع شجرة التفاح المغرور
حكايات هانس أندرسن الخيالية
حكايات هانس أندرسن الخيالية
المجموعة
الأولى
تأليف
هانس كريستيان أندرسن
تحرير
جيني إتش ستيكني
Página desconocida
ترجمة
دينا عادل غراب
مراجعة
مصطفى محمد فؤاد
مقدمة
سيظل عمل «حكايات هانس أندرسن» يقرأ في المدارس والبيوت، ما دام هناك أطفال يحبون القراءة. فليس هناك من يضاهي المؤلف بصفته راوي قصص أطفال في قدرته على الاستحواذ على مخيلة الصغار، والتحليق بها في آفاق طبيعية وصحية. وقدرته على أسر الألباب والارتقاء بها تجري كشيء حي في أي شيء يكتبه. ولقد نجحت قصصه في كل الاختبارات التي واجهتها وظلت محتفظة بشعبية لا تتراجع بين أفضل كتب الأطفال. إنها تعد معيارا، وحيث إن كتابات الأطفال تقيم بمقاييس أكثر دقة فإن مكانها في الأدب الخالد سيزداد حجما وثباتا. إن قليلا من مؤلفي كتب الأطفال سيرقى إلى منزلة الخلود، وهانس أندرسن واحد منهم.
وفرت الدنمارك وفنلندا الخلفية الطبيعية للخيال الطريف والعبقرية المتنامية لدى ابنهما الموهوب، وهو الذي كان قصاصا، ومؤلف مسرحيات، وشاعرا في آن واحد. إن حب الطبيعة، وحب الوطن، والمشاركة الوجدانية مع الحياة في كل شيء، وموهبة رائعة في إضفاء الحياة على كل شيء، كلها تآلفت معا لتثمر فيه شخصية ذات سحر يظهر في كل كتاباته. قد يكون عمله «قصة حياتي» هو أكثر كتاباته إثارة. كان أندرسن معروفا في بلاط الملوك وقلاع النبلاء ، وكان يقرأ قصصه هناك بنفس البساطة التي جعلها بها مألوفة في أكواخ الفلاحين، وجعلته محبوبا لكل من أنصت إليه على حد سواء. ورغم أن هذه السمات لا تفسر عبقريته، فهي تساعدنا في فهم سحرها. إن أبسط القصص توفي بالشرط الذي وضعه الناقد راسكين لقصة الأطفال والذي ينص على أن تكون جميلة وحزينة.
من بين أعمال أغلب الكتاب الذين أسهموا إسهاما كبيرا في أدب الطفل، من المرجح ألا يكتسب الخلود سوى القليل من الدرر المنتقاة. لكن الأمر مختلف مع أندرسن؛ فرغم أن هذه الدرر موجودة، فالقيمة الكبرى تكمن في تناول هذه القصص كنوع من الأدب والعيش فيه لوهلة، من خلال قوة القراءة التراكمية. وليس من المبالغة القول بأن في قصص أندرسن طابعا وروحا خاصين به وحده؛ فلسفة بسيطة تكتسب بالقراءة المتواصلة. لهذا السبب فمن المفيد للطفل أن يحوز هذه الكتب؛ فإعادة قراءتها من حين لآخر ستولد لديه توجها صحيا وطبيعيا في القراءة. كما أن العديد من القصص من المفيد قراءتها للأطفال في سن صغيرة جدا؛ فهي توجه مخيلتهم الوثابة إلى قنوات طبيعية.
نص الطبعة الحالية هو إعادة إنتاج لنص سابق كان قائما على المقارنة جملة بجملة بين أربع أو خمس ترجمات حالية في أوروبا وأمريكا. وقد أشيد به على نطاق واسع؛ استنادا إلى أن قراءته ممتعة، مع الاحتفاظ بروح الأصل الدنماركي ونصه. وقد اختصرت اثنتان من القصص الطويلة بقدر ضئيل. كما يلائم ترتيب القصص المختارة بين مستوى القراءة ونمو الطفل؛ فهي يفترض أن تكون سهلة بدرجة كافية للأطفال في سن الثامنة أو التاسعة تقريبا.
جيه إتش ستيكني
Página desconocida
شجرة التنوب
في مكان بعيد في الغابة حيث هيأت الشمس الدافئة والهواء المنعش مكانا جميلا للراحة، نبتت شجرة تنوب قصيرة جميلة. ورغم أن الوضع كان أجمل ما يكون، فالشجرة لم تكن سعيدة؛ فقد تمنت بشدة أن تكون مثل رفيقاتها الطويلات، أشجار الصنوبر والتنوب النابتة حولها.
كانت الشمس تسطع، ونسمات الهواء الرقيقة تداعب أوراقها، والأطفال المزارعون الصغار يمرون بها، وهم يثرثرون جذلين؛ إلا أن الشجرة لم تكن تأبه لهم.
كان الأطفال أحيانا يأتون بسلة كبيرة مليئة بتوت العليق أو الفراولة المرصوصة على قش، ويجلسون بجانب شجرة التنوب ويقولون: «أليست هذه الشجرة قصيرة جميلة؟» وهو ما كان يزيدها تعاسة عما قبل.
لكن الشجرة كانت طوال هذه الفترة تزداد طولا بمقدار ثلمة أو عقدة كل عام؛ إذ يمكننا معرفة عمر شجرة التنوب من عدد العقد في ساقها.
إلا أنها ظلت حتى وهي تنمو تشتكي وتقول: «آه! كم أتمنى أن أكون في طول الأشجار الأخرى؛ ساعتها كنت سأمد فروعي في كل جهة، وكان رأسي سيطل على العالم الفسيح حولي. ولا بد أن الطيور كانت ستبني أعشاشها على أغصاني، وحين تهب الرياح، لا بد أنني كنت سأنحني بشمم مهيب مثل رفيقاتي السامقات.»
كانت الشجرة في غاية السخط، حتى إنها لم تكن تجد سعادة في أشعة الشمس الدافئة، أو الطيور أو السحاب الوردي الذي كان يطوف فوقها بكرة وأصيلا.
أحيانا في الشتاء حين كان الثلج ينبسط على الأرض بلونه الأبيض اللامع، كان هناك أرنب صغير يأتي واثبا إليها، ويقفز فوق قمة الشجرة القصيرة، وكم كانت تشعر بالضيق حينذاك!
مر على الشجرة فصلا شتاء، وحين حل الثالث، كانت قد زادت طولا حتى إن الأرنب كان يضطر إلى الركض حولها. إلا أنها ظلت غير راضية وكانت تصيح: «أوه! أريد أن أكبر وأكبر؛ ليتني أظل أنمو طولا وأزداد عمرا! فلا يوجد في الحياة شيء آخر جدير بالاهتمام.»
جاء الحطابون في الخريف كالعادة، وقطعوا العديد من الأشجار الباسقة؛ أما شجرة التنوب القصيرة التي كانت حينذاك بلغت طولا مناسبا يعد أقصى طول لها، فارتعدت حين هوت الأشجار الهائلة على الأرض محدثة صوت ارتطام كبيرا.
Página desconocida
وبعد قطع الفروع، بدت الجذوع نحيلة وعارية للغاية، حتى إنه صار من الصعب التعرف عليها. ووضعت على عربات، الواحدة فوق الأخرى، وجرتها الخيول لتخرج بها من الغابة. إلى أين كان يمكن أن تذهب؟ وماذا سيحل بها؟ تاقت شجرة التنوب الصغيرة بشدة إلى أن تعرف.
لذا، في الربيع، حين جاءت طيور السنونو واللقلق، سألتها شجرة التنوب: «هل تعلمون إلى أين أخذت تلك الأشجار؟ هل قابلتموها؟»
لم تكن طيور السنونو تعلم شيئا؛ لكن أحد طيور اللقلق، بعد القليل من التفكير، أومأ برأسه وقال: «نعم، أعتقد أنني أعرف. حين طرت من مصر، لاحظت العديد من السفن الجديدة، وكان لها صوار رائعة تفوح منها رائحة تشبه رائحة أشجار التنوب. لا بد أن هذه كانت الأشجار؛ وأؤكد لك أنها كانت فخمة وتبحر في أبهة شديدة!»
قالت شجرة التنوب: «أوه، كم أتمنى لو كان طولي كافيا للذهاب إلى البحر. فلتخبرني ما هو هذا البحر، وكيف يبدو؟»
قال طائر اللقلق وهو يحلق بعيدا على عجل: «هذا الأمر شرحه يطول؛ يطول جدا.»
قال شعاع الشمس: «فلتبتهجي بشبابك، ولتنعمي بأغصانك الغضة وبالحياة الشابة الكامنة فيك.»
وقبلت الرياح الشجرة، وسقاها الندى بالدموع، لكن شجرة التنوب لم تأبه لهم. •••
اقترب وقت الكريسماس، وقطع العديد من الأشجار الشابة، ومنها ما كان أصغر طولا وعمرا من شجرة التنوب، التي لم تنعم براحة أو سلام لتلهفها إلى مغادرة غابتها. الأشجار الشابة التي اختيرت لجمالها، احتفظت بفروعها، ووضعت هي الأخرى على عربات وجرتها الخيول بعيدا خارج الغابة.
تساءلت شجرة التنوب: «إلى أين ستذهب؟ إنها لا تزيد عني طولا؛ وإحداها ليست طويلة جدا قطعا. ولماذا احتفظوا بكل فروعها؟ إلى أين هي ذاهبة؟»
شدت طيور السنونو قائلة: «نحن نعرف، نحن نعرف، لقد نظرنا من خلال نوافذ المنازل في البلدة، وعرفنا ما يحدث لها. أوه، لا يمكنك أن تتخيلي ما تلقاه من شرف وعظمة. فهي تتأنق بأسلوب غاية في الروعة. لقد رأيناها واقفة في منتصف غرفة دافئة، تزينها أشياء جميلة من شتى الأنواع؛ كعك العسل، والتفاح الذهبي، واللعب، ومئات عديدة من الشموع.»
Página desconocida
سألتها شجرة التنوب وكل فروعها ترتجف: «وماذا بعد؟ ماذا يحدث بعد ذلك؟»
قالت طيور السنونو: «لم نر غير ذلك، لكنه كان كافيا لنا.»
حدثت شجرة التنوب نفسها قائلة: «أتساءل ما إن كان سيحدث لي أي شيء بهذه الروعة على الإطلاق؛ فهذا سيكون أفضل حتى من عبور البحر . إنني أتحرق شوقا إلى هذا. أوه، متى يحل الكريسماس هنا؟ فقد صرت الآن في طول وعمر تلك التي أخذت العام الماضي. ليتني كنت الآن موضوعة على العربة، أو واقفة في الغرفة الدافئة تحيط بي كل تلك الأضواء والروعة! لا بد أن شيئا أفضل وأجمل يحدث بعد ذلك، وإلا ما كانت الأشجار زينت هكذا. نعم، سيتبع هذا شيء أعظم وأروع. ماذا عساه يكون؟ إن الشغف يضنيني، وبالكاد أدرك ما هذا الذي يعتريني.»
قال الهواء وضوء الشمس: «فلتبتهجي بحبنا. فلتستمتعي بحياتك السعيدة في الهواء الطلق.»
لكن الشجرة لم تكن تبتهج، مع أنها كانت تزداد طولا كل يوم، وحين كان المارة يرون أوراقها ذات اللون الأخضر الداكن صيفا وشتاء، كانوا يقولون: «يا لها من شجرة جميلة!»
قبل الكريسماس التالي بفترة قصيرة كانت شجرة التنوب الساخطة أول ما سقط من الأشجار. حين قطعت البلطة الجذع بحدة وشقت اللب، سقطت الشجرة على الأرض متأوهة، شاعرة بالألم والإعياء وناسية كل أحلامها بالسعادة في حزنها على مغادرة وطنها في الغابة. فقد أدركت أنها لن ترى رفيقاتها القدامى الأشجار ثانية أبدا، ولا الشجيرات الصغيرة ولا الزهور المتعددة الألوان التي كانت تنمو إلى جانبها؛ بل ربما ولا الطيور حتى. كما أن الرحلة لم تكن ممتعة على الإطلاق.
استعادت الشجرة عافيتها لأول مرة حين أخرجت في فناء منزل، مع العديد من الأشجار الأخرى؛ وسمعت رجلا يقول: «نريد واحدة فقط، وهذه أجملها. هذه بديعة!»
ثم جاء خادمان في زي فخم، وحملا شجرة التنوب إلى غرفة فسيحة وجميلة. هناك، كانت الصور معلقة على الجدران، وبجانب المدفأة العالية المغطاة بالقرميد وقفت زهريات خزفية ضخمة ذات رسوم سوداء على أغطيتها. وكان هناك كراس هزازة، وأرائك حريرية، وطاولات كبيرة مغطاة بصور؛ وكان هناك كتب، ولعب بمئات مئات الدولارات - على الأقل - هكذا كان يقول الأطفال.
ثم وضعت شجرة التنوب في دلو كبير مليء بالرمال - لكنه لف بجوخ أخضر حتى لا يستطيع أحد ملاحظة أنه كان دلوا - ووضعت على بساط فاخر جدا. أوه، كم كانت شجرة التنوب مرتعدة! فما الذي سيحدث لها الآن؟ ثم جاءت بعض السيدات الشابات، وساعدهن الخدم في تزيين الشجرة.
علقوا على أحد الفروع أكياسا صغيرة من الورق الملون، وكان كل كيس مليئا بالحلوى. وتدلى من فروع أخرى تفاحات ذهبية وحبات جوز، كأنها قد نبتت هناك؛ وكان فوقها وفي كل مكان حولها مئات الشموع الحمراء والزرقاء والبيضاء المثبتة على الفروع. ووضع أسفل الأوراق الخضراء دمى تبدو تماما كأنها رجال ونساء بحق؛ وهي أشياء لم تر الشجرة مثيلا لها من قبل قط، وفي قمتها ثبتت نجمة لامعة مصنوعة من زينة ذهبية. أوه، لقد كانت في غاية الجمال. وإذا بالجميع يهتفون: «كم ستكون مبهرة هذا المساء!»
Página desconocida
تفكرت الشجرة قائلة في نفسها: «ليت المساء يأتي وتشعل الشموع! فساعتها سأعرف ماذا سيحدث غير هذا. هل ستأتي أشجار الغابة لرؤيتي؟ ترى هل ستختلس طيور السنونو النظر من النوافذ وهي تطير؟ هل سيكون نموي هنا أسرع مما كان في الغابة، وهل سأحتفظ بكل هذه الزينة في الصيف والشتاء؟» لكن لم يكن التخمين ذا جدوى كبيرة؛ فقد أحست بألم في ظهرها من التفكير، وهذا الألم كريه بالنسبة لشجرة تنوب قصيرة مثل الصداع لنا.
وأخيرا أشعلت الشموع، فتألقت الشجرة في هالة من النور والروعة! وكانت كل فروعها ترتجف بشدة من الفرحة، حتى إن إحدى الشموع سقطت بين الأوراق الخضراء وأحرقت بعضا منها. صرخت السيدات الشابات: «النجدة! النجدة!» لكن لم يقع ضرر؛ فقد أطفئوا النار سريعا.
حاولت الشجرة بعد ذلك ألا ترتجف على الإطلاق، ورغم أن النار كانت تخيفها، فقد كانت حريصة على ألا يصيب الضرر أيا من قطع الزينة الجميلة، حتى إن كان تألقها يبهرها.
ثم فتحت الأبواب القابلة للطي، وأهرعت مجموعة من الأطفال كما لو كانوا يقصدون إزعاج الشجرة، وتبعهم على مهل أكثر ذويهم الكبار. وقف الصغار للحظة في صمت مشدوهين، ثم أخذوا يصيحون في مرح حتى تردد صدى صيحاتهم في الغرفة، وأخذوا يرقصون فرحين حول الشجرة والهدايا تؤخذ واحدة بعد الأخرى من فوقها.
قالت الشجرة في نفسها: «ماذا يفعلون؟ ماذا سيحدث بعد ذلك؟» وفي النهاية، تضاءلت الشموع على الفروع وانطفأت. ثم أخذ الأطفال الإذن لاغتنام ما على الشجرة من زينة.
أوه، كم اندفعوا إليها وتكالبوا عليها! ساد هرج شديد حتى إن فروعها شرخت، ولولا أنها كانت مثبتة إلى السقف بالنجمة اللامعة، لكانت ستسقط أرضا.
ثم رقص الأطفال بألعابهم الجميلة في أنحاء الحجرة، ولم ينتبه أحد إلى الشجرة إلا مربية الأطفال، التي جاءت وجالت ببصرها بين الفروع لترى ما إن كان قد نسيت تفاحة أو تينة. •••
صاح الأطفال وهم يشدون رجلا قصيرا بدينا ناحية الشجرة قائلين: «قصة، قصة.»
قال الرجل وهو يجلس تحتها: «لنجلس الآن في الظل الأخضر، وهكذا ستستمتع الشجرة هي الأخرى بسماع القصة؛ لكنني سأحكي قصة واحدة فقط. يا ترى، ماذا ستكون؟ إيفيد أفيد أم هامتي دامتي الذي سقط على الدرج، لكنه نهض سريعا مرة أخرى، وتزوج من أميرة في النهاية؟»
هتف البعض: «إيفيد أفيد»، وصاح آخرون: «هامتي دامتي»؛ وتعالت الصيحات. لكن شجرة التنوب ظلت ساكنة تماما وحدثت نفسها قائلة: «هل لي أي علاقة بكل هذا؟ هل علي أن أصيح أنا أيضا؟» لكنها كانت قد أبهجتهم بالفعل بقدر ما أرادوا، فلم يأبهوا لها.
Página desconocida
بعد ذلك حكى لهم الرجل العجوز قصة هامتي دامتي؛ كيف سقط، وكيف نهض ثانية، وكيف تزوج أميرة. صفق الأطفال بأيديهم وصاحوا: «فلتحك واحدة أخرى، فلتحك واحدة أخرى»؛ فقد أرادوا سماع قصة إيفيد أفيد، لكنهم لم يسمعوا هذه المرة سوى قصة هامتي دامتي. بعد هذا لاذت الشجرة بالصمت التام واستغرقت في التفكير. إن الطيور في الغابة لم تحك قط قصصا مثل قصة هامتي دامتي، الذي سقط من فوق الدرج، لكن تزوج من أميرة.
ثم قالت الشجرة في نفسها: «أوه، أجل! هذا يحدث في العالم!» وصدقت القصة برمتها لأن من حكاها كان رجلا لطيف الطباع.
قالت الشجرة في نفسها: «أوه، حسنا! من يدري؟ ربما أسقط أنا أيضا وأتزوج من أمير.» وتطلعت للمساء التالي في فرح، متوقعة أن تزين مرة أخرى بالأنوار والألعاب والذهب والفاكهة. وتحدثت إلى نفسها قائلة : «غدا لن أرتجف، وسوف أستمتع بكل بهائي، وسوف أسمع قصة هامتي دامتي مرة أخرى، وربما قصة إيفيد أفيد.» وظلت الشجرة صامتة تفكر طوال الليل.
في الصباح دخل الخدم. وقالت الشجرة في نفسها: «الآن سيعود لي كل بهائي مرة أخرى.» إلا أنهم جروها خارج الحجرة وصعدوا بها إلى العلية حيث ألقوها على الأرض في زاوية معتمة لا يظهر فيها ضوء النهار، وهناك تركوها. فتساءلت الشجرة في نفسها: «ما معنى هذا؟ ماذا سأفعل هنا؟ لا أستطيع سماع أي شيء في مكان كهذا.» ثم استندت إلى الحائط وراحت تفكر وتفكر.
وقد كان لديها وقت كاف للتفكير؛ فقد مضت أيام وليال دون أن يقترب منها أحد؛ وحين جاء أحد الأشخاص أخيرا، كان فقط ليضع بعض الصناديق الكبيرة في إحدى الزوايا. وهكذا توارت الشجرة تماما عن الأنظار، كأنها لم تكن موجودة قط.
قالت الشجرة في نفسها: «ها قد جاء الشتاء، وصارت الأرض صلبة ومغطاة بالجليد، وبهذا لن يستطيع الناس أن يزرعوني. أعتقد أنني سأبقى هنا حتى يأتي الربيع. كم يهتم بي الجميع ويرفقون لحالي! لكن ليت هذا المكان لم يكن معتما هكذا وموحشا بشكل مخيف هكذا، دون حتى أرنب صغير لأراه. كم كانت الحياة ممتعة في الغابة حين كان الثلج يغطي الأرض، وكان الأرنب يجري عليه، نعم، ويقفز فوقي أيضا، وإن كنت لم أحب ذلك آنذاك. أوه! كم أشعر بوحدة فظيعة هنا.»
صر فأر صغير وهو يتسلل بحرص ناحية الشجرة؛ ثم جاء فأر آخر، وأخذ الاثنان يتشممان شجرة التنوب ويتسللان داخلين خارجين بين فروعها.
قال الفأر الصغير: «أوه، البرد شديد. لولا ذلك لشملتنا راحة كبرى هنا، أليس كذلك يا شجرة التنوب العجوز؟»
قالت شجرة التنوب: «لست عجوزا؛ فهناك كثيرون أكبر مني عمرا.»
سألها الفأران وقد ملأهما الفضول: «من أين أتيت؟ وماذا تعرفين؟ هل رأيت أجمل الأماكن في العالم، وهل تستطيعين أن تحكي لنا عنها؟ وهل ذهبت إلى غرفة التخزين، حيث الأجبان موضوعة على الرف واللحم يتدلى من السقف؟ توجد هناك شموع من الشحم يمكن الجري عليها؛ ومن الممكن أن يدخلها أحدنا نحيفا ويخرج منها بدينا.»
Página desconocida
قالت شجرة التنوب: «لا أعلم شيئا عن ذلك، لكنني أعرف الغابة حيث تسطع الشمس وتشدو الطيور.» وأخبرت الشجرة الفأرين الصغيرين بكل ما جرى في أيام شبابها. ولم يكونا قد سمعا بمثل تلك الأشياء في حياتهما؛ حتى إنهما بعد أن أصغيا إليها باهتمام قالا لها: «كم شاهدت من أشياء عديدة! لا بد أنك كنت سعيدة جدا!»
صاحت الشجرة: «سعيدة؟!» ثم قالت وهي تتأمل ما كانت تحكيه لهما: «أوه، نعم! فقد كانت تلك أياما سعيدة على كل حال.» لكن حين واصلت الكلام وحكت كل ما حدث في عشية الكريسماس، وكيف زينت بالكعك والأنوار، قال الفأران: «كم كنت سعيدة حتما يا شجرة التنوب العجوز!»
أجابت الشجرة: «لست عجوزا على الإطلاق؛ فقد جئت من الغابة هذا الشتاء. والآن قد توقف نموي.»
قال الفأران الصغيران: «يا لها من قصص رائعة تلك التي تستطيعين حكيها!» وفي الليلة التالية جاء أربعة فئران أخرى معهما لسماع ما لدى الشجرة من قصص. وكانت كلما تحدثت عاودها المزيد من الذكريات، فحدثت نفسها قائلة: «صحيح، تلك كانت أياما سعيدة؛ لكن ربما تعود مرة أخرى. فرغم أن هامتي دامتي سقط على الدرج فإنه تزوج الأميرة. ربما أتزوج أنا أيضا أميرا.» ثم أخذت شجرة التنوب تفكر في شجرة البتولا القصيرة الجميلة التي كانت في الغابة؛ لقد كانت بالنسبة لها أشبه بأمير بحق، أمير وسيم.
سألتها الفئران الصغيرة: «من هو هامتي دامتي؟» فقصت عليهم الشجرة الحكاية بأكملها؛ إذ استطاعت أن تتذكر كل كلمة. وقد سرت الفئران الصغيرة بها للغاية حتى إنها كانت على استعداد للقفز أعلى الشجرة. وفي الليلة التالية ظهر العديد من الفئران الأخرى، وفي يوم الأحد جاء معها اثنان من الجرذان؛ لكن الجرذين قالا إنها لم تكن قصة حلوة على الإطلاق، وشعرت الفئران الصغيرة بأسف بالغ؛ فقد جعلها هذا تنبذها هي الأخرى.
ثم سألها الجرذان: «هل تعرفين هذه القصة فقط؟»
أجابتهما شجرة التنوب: «أعرف هذه القصة فقط، وقد سمعتها في أسعد أمسية في حياتي؛ غير أنني لم أعلم أنني كنت سعيدة جدا في ذلك الوقت.»
قال الجرذان: «نرى أنها قصة بائسة جدا. ألا تعرفين أي قصص عن اللحم أو الشحم الذي في غرفة التخزين؟»
أجابتهما الشجرة: «لا.»
فرد عليها الجرذان: «شكرا جزيلا لك إذن.» ثم ذهبا إلى حال سبيلهما.
Página desconocida
كذلك ابتعدت الفئران الصغيرة بعد ذلك، وتنهدت الشجرة وقالت: «كان الوقت ممتعا جدا حين كانت الفئران الصغيرة المرحة تجلس حولي وتنصت لي وأنا أتحدث. الآن صار كل هذا ماضيا أيضا. لكنني سوف أصير سعيدة حين يأتي أحد ليخرجني من هذا المكان.»
لكن هل سيحدث هذا أبدا؟ نعم؛ فقد جاء أناس ذات صباح لتنظيف العلية؛ حيث خزنت الصناديق، وأخرجت الشجرة من الزاوية وألقيت بقسوة على الأرض؛ ثم جرها الخادمان على الدرج حيث كان ضوء النهار ساطعا.
قالت الشجرة مبتهجة بأشعة الشمس والهواء المنعش: «الآن بدأت الحياة مرة أخرى.» ثم حملت إلى أسفل وأخذت إلى الفناء سريعا جدا حتى إنها نسيت أن تفكر في نفسها، ولم يسعها إلا النظر حولها؛ فقد كان هناك الكثير لتطالعه.
كان الفناء على مقربة من حديقة، بدا كل ما فيها متألقا؛ فقد تدلت ورود نضرة وذكية فوق السياج القصير. وكانت أشجار الزيزفون مزهرة، فيما حلقت طيور السنونو هنا وهناك وهي تغرد قائلة: «سيأتي خليلي»، لكنها لم تكن تقصد شجرة التنوب.
صاحت الشجرة فرحة، وهي تمد فروعها: «الآن سوف أحيا»، لكن وا حسرتاه! كانت كلها ذابلة وصفراء، ووضعت الشجرة في زاوية بين الحشائش ونباتات القراص. كانت النجمة المصنوعة من الورق الذهبي ما زالت مثبتة في قمة الشجرة، وراحت تلمع في ضوء الشمس.
كان يلعب في الفناء نفسه اثنان من الأطفال المرحين الذين رقصوا حول الشجرة في الكريسماس، وكانوا في غاية السعادة آنذاك. رأى أصغرهما النجمة اللامعة، فهرع وشدها من فوق الشجرة، وقال وهو يمشي على الفروع حتى تشرخت أسفل حذائه: «انظر ماذا وجدت على شجرة التنوب العجوز القبيحة.»
وشاهدت الشجرة كل الزهور النضرة اليانعة في الحديقة، ثم نظرت إلى حالها، وتمنت لو كانت ظلت في الزاوية المظلمة في العلية. وتذكرت شبابها الغض في الغابة، وعشية الكريسماس السعيدة، والفئران الصغيرة التي أنصتت إلى قصة هامتي دامتي.
قالت الشجرة المسكينة: «كل هذا انتهى! انتهى! أوه، ليتني استمتعت بحياتي حين كان يتسنى لي ذلك! لكن فات الأوان الآن!»
ثم جاء خادم وقطع الشجرة قطعا صغيرة، حتى تكومت في حزمة كبيرة على الأرض. ووضعت القطع في نار، فاشتعلت سريعا متوهجة، في حين راحت الشجرة تتنهد بعمق بالغ حتى كانت كل تنهيدة بمثابة طلقة من مسدس صغير. ثم جاء الطفلان اللذان كانا يلهوان، وجلسا أمام النار، وتطلعا إليها وصاحا: «طق، طق.» لكن مع كل «طقطقة»، وهي التي كانت تنهيدة عميقة، كانت الشجرة تفكر في يوم من أيام الصيف في الغابة أو إحدى ليالي الشتاء حين كان بريق النجوم ساطعا، وفي عشية الكريسماس، وفي هامتي دامتي - القصة الوحيدة التي سمعتها أو عرفت كيف تحكيها على الإطلاق - حتى فنيت أخيرا.
ظل الطفلان يلعبان في الحديقة، ووضع أصغرهما على صدره النجمة الذهبية التي زينت بها الشجرة في أسعد أمسية في حياتها. انتهى الآن كل شيء؛ انتهت حياة الشجرة وكذلك القصة؛ فكل القصص لا بد لها من نهاية في وقت ما.
Página desconocida
تاك الصغير
تاك الصغير! اسم غريب بلا شك! إلا أنه لم يكن الاسم الحقيقي للصبي الصغير. إنما كان اسمه الحقيقي كارل؛ لكنه حين كان صغيرا جدا ولا يستطيع نطق الكلام بوضوح، اعتاد أن يسمي نفسه تاك. من الصعب معرفة السبب؛ فهو ليس مثل اسم كارل مطلقا، لكنه يفي بالغرض، ما دمت تعرفه.
ترك تاك الصغير في المنزل ليعتني بأخته جوستافا، التي كانت تصغره بكثير؛ وكان عليه أيضا أن يستذكر دروسه. هكذا كان عليه أن يفعل شيئين في الوقت نفسه، وهما لا ينسجمان معا على الإطلاق. جلس الفتى المسكين وأخته على حجره، يغني لها كل الأغاني التي يعرفها، وكان يلقي نظرة، من وقت لآخر، على كتاب الجغرافيا خاصته الذي وضع مفتوحا بجانبه؛ إذ كان لا بد أن يكون قد حفظ بحلول صباح الغد أسماء كل البلدات التي في سيلاند عن ظهر قلب، وأن يكون قادرا على أن يذكر أقصى قدر ممكن من المعلومات عنها.
ثم جاءت أمه أخيرا، وأخذت جوستافا الصغيرة بين ذراعيها. فجرى تاك سريعا إلى النافذة، وراح يقرأ ويقرأ حتى لم يعد قادرا على القراءة؛ إذ كان الظلام مقبلا، ولم تكن أمه تستطيع شراء شموع.
قالت أمه وهي تنظر من النافذة: «ها هي غاسلة الملابس العجوز تسير في الحارة. يا للمسكينة! إنها بالكاد تقوى على السير، والآن عليها أن تحمل الدلو الثقيل من مضخة المياه. لتكن فتى طيبا يا تاك الصغير، وتسرع لتساعد السيدة المسكينة.» ركض تاك الصغير بسرعة، وساعد في حمل الدلو الثقيل. لكن حين عاد إلى حجرته، كان الظلام دامسا. لكنه لم ينبس بكلمة عن الشموع، ولم يكن هناك جدوى من تمني واحدة؛ وكان لا بد أن يذهب إلى فراشه النقال الصغير الذي كان مصنوعا من دكة قديمة.
اضطجع وهو لا يزال يفكر في درس الجغرافيا، وفي سيلاند، وفي كل ما كان معلمه قد قاله. لم يستطع أن يقرأ الكتاب مرة أخرى، كما كان يتوجب عليه، لحاجته إلى الضوء. لذلك وضع كتاب الجغرافيا أسفل وسادته؛ فقد أخبره أحد الأشخاص من قبل أن هذه طريقة رائعة للمساعدة على تذكر درسه، إلا أنه لم يتأكد أبدا من أنه يمكن الاعتماد على هذا الأمر.
استلقى في فراشه وظل يفكر ويفكر، حتى شعر فجأة كأن أحدا يغلق ثغره وعينيه بلطف بقبلة. فنام ولم ينم، فقد تراءى له أنه يرى عيني الغاسلة العجوز الوديعتين الحنونتين مثبتتين عليه، وأنه يسمعها تقول: «لا شك أنه سيكون من المؤسف ألا تكون عالما بدرسك غدا، يا تاك الصغير. لقد ساعدتني؛ والآن سأساعدك أنا، وسيساعدنا الرب نحن الاثنين.»
وفجأة بدأت أوراق الكتاب تخشخش أسفل رأس تاك الصغير، وسمع شيئا يحبو تحت وسادته.
صاحت دجاجة وهي تسير ببطء نحوه: «كاك، كاك، كاك! إنني دجاجة كوجيه.» (فقد كانت آتية من بلدة كوجيه.) ثم أخبرته بعدد سكان البلدة الصغيرة ، وعن المعركة التي حدثت هناك في الماضي، وكيف أنها صارت بالكاد تستحق الذكر الآن، لوجود أشياء عديدة أعظم شأنا. «تك، تك!» والآن قفز على السرير طائر خشبي كبير؛ ببغاء من ميدان إطلاق النار في براستو. وكان قد أحصى عدد السكان في براستو، ووجد أنهم كثيرون بقدر عدد الريش الذي في جسده. وكان طائرا فخورا بنفسه، إذ قال: «كان تورفالسن يعيش في إحدى نواحي براستو، على مقربة مني. ألست طائرا جميلا، وببغاء مرحا؟»
لم يعد تاك الصغير الآن راقدا في فراشه؛ ففجأة، أصبح على صهوة جواد، وأخذ يعدو ويعدو. فقد حمله على جواده فارس مهيب ذو خوذة لامعة بريش متطاير - فارس من العصور القديمة - وانطلقا معا في غابة بلدة فوردينبورج العتيقة، التي كانت هي الأخرى بلدة كبيرة مزدحمة. وكانت أبراج قلعة الملك الشاهقة تشق عنان السماء، والأضواء المبهرة ترى وهي تومض عبر النوافذ. بالداخل ترددت أصداء الموسيقى وتجلت مظاهر الاحتفال؛ وكان الملك فالديمار يقود سيدات بلاطه النبيلات ليرقصن معه.
Página desconocida
وإذا بالصبح قد طلع فجأة، فبهتت أضواء المصابيح، وبزغت الشمس، وتلاشت أشباح المباني، وأخيرا بقي برج عال واحد كعلامة للمنطقة التي كانت تقوم فيها القلعة الملكية. فقد تقلصت البلدة الشاسعة إلى بلدة فقيرة صغيرة بسيطة. وقال التلاميذ، وهم خارجون من المدرسة حاملين تحت أذرعهم كتب الجغرافيا: «ألفان من السكان»؛ لكن هذا كان محض تفاخر؛ فلم يكن بالبلدة هذا العدد مطلقا.
كان تاك الصغير في فراشه؛ ولم يدر ما إذا كان ما قد شهده حلما أم لا، لكنه وجد على مقربة منه شخصا آخر مجددا.
صاح صوت: «يا تاك الصغير! يا تاك الصغير!» كان صوت بحار صغير. وأضاف: «لقد جئت حاملا إليك السلام من كورسر. كورسر بلدة جديدة، بلدة نابضة بالحياة، بها البواخر وعربات البريد. كان الناس في الماضي يقولون إنها مكان حقير وقبيح، لكنهم لم يعودوا يقولون هذا.
تقول كورسر عن نفسها: «أقع على ساحل البحر؛ ولدي طرق واسعة وحدائق ترفيهية عامة؛ وأنجبت شاعرا، شاعرا ساخرا، وهو أفضل من سائر الشعراء. فكرت ذات مرة في إرسال سفينة لتطوف حول العالم بأسره؛ لكنني لم أفعل، رغم أنني كنت أستطيع. أستمتع كثيرا بمكاني قرب الميناء؛ وتفوح مني رائحة العطور، إذ تتفتح حولي أجمل أنواع الورود، قريبا من بواباتي».»
وكان باستطاعة تاك الصغير أن يشتم رائحة الورود وأن يراها وأوراقها الخضراء النضرة. لكنها اختفت في لحظة؛ إذ انتشرت الأوراق الخضراء وتكاثفت، انبثقت أجمة رائعة فوق مياه الخليج المتلألئة، وقام فوق الأجمة برجان عاليان لكنيسة مهيبة قديمة. من جانب التل المغطى بالحشائش تدفقت ينابيع جرت فيها المياه بألوان قوس قزح، وتصاعد منها صوت موسيقي مرح، وجلس بالقرب منها ملك يضع على شعره الداكن الطويل تاجا ذهبيا. كان هذا هو الملك هرور ملك الينابيع؛ وقريبا من هناك كانت توجد بلدة روسكيلا (التي تعني «ينابيع هرور»). وأعلى التل، على طريق واسع، ذهب كل ملوك الدنمارك وملكاتها، مرتدين تيجانا ذهبية؛ ودخلوا الكنيسة يدا بيد، وامتزجت موسيقى الأرغن العميقة مع خرير الينابيع الصافي؛ إذ كان يرقد في هذه الكنيسة الجميلة كل ملوك الدنمارك وملكاتها تقريبا. وقد شاهد تاك الصغير وسمع كل ذلك.
قال الملك هرور: «لا تنس البلدات.»
ثم اختفى كل شيء، إلا أنه لم يعرف أين ذهب. بدا الأمر شبيها بتقليب صفحات في كتاب.
بعد ذلك وقفت أمامه فلاحة عجوز من سورو، البلدة الهادئة الصغيرة التي تنمو فيها الحشائش في موقع السوق. وكان مئزرها من الكتان الأخضر مسدلا على رأسها وظهرها، وكان مبتلا جدا، كأن الأمطار كانت تهطل بغزارة.
قالت له السيدة: «وهذا ما حدث.» ثم حكت الكثير جدا من الحكايات الشيقة من مسرحيات هولبيرج الكوميدية، وألقت قصائد غنائية عن فالديمار وأبسالون؛ فقد أقام هولبيرج أكاديمية في بلدتها.
وفجأة جثمت وهزت رأسها كأنها ضفدعة على وشك القفز. ثم صاحت: «كواك! الجو ممطر، إنه ممطر دائما، ويخيم السكون على سورو مثل القبر.» ثم تحولت إلى ضفدعة. صاحت: «كواك!» ثم تحولت إلى سيدة عجوز مرة أخرى، وقالت: «لا بد أن يرتدي المرء من الملابس ما يناسب الطقس.»
Página desconocida
ثم أضافت: «الجو ممطر ! الجو ممطر! بلدتي مثل الزجاجة؛ تدخلها من فتحة صغيرة، ومن نفس الفتحة تخرج منها. في الماضي كان لدينا أفضل الأسماك؛ والآن لدينا صبية صغار بوجوه متوردة في أسفل الزجاجة. إنهم يتعلمون الحكمة اليونانية؛ اليونانية والعبرية! كواك!»
بدا صياحها مثل نقيق الضفادع بالضبط، أو كأن هناك من يسير على المستنقعات الكبيرة بحذاء ثقيل. كان صوتها مرهقا للغاية، وثابتا على نبرة واحدة، حتى إن تاك الصغير غشيه النوم؛ وكان هذا مفيدا جدا له.
لكن حتى حين نام راوده حلم، أو أيا كان اسمه. رأى أخته الصغيرة جوستافا، بعينيها الزرقاوين وخصلات شعرها الأشقر الملتفة، وقد صارت فتاة فارعة حسناء تستطيع الطيران، رغم أنها لم يكن لديها أجنحة؛ وها هي الآن تطير فوق سيلاند؛ فوق غاباتها الخضراء، ومياهها الزرقاء. «استمع! هل تسمع صياح الديك يا تاك الصغير؟ «كوكو كوكو!» إن الطيور قادمة من كوجيه إلى هنا، وسوف يكون لديك مزرعة، مزرعة دواجن كبيرة جدا ملك لك! لن تعاني الجوع أو الفاقة قط. سيكون لديك الإوزة الذهبية، طائر الحظ السعيد؛ وسوف تصير رجلا ثريا وسعيدا. وسيرتفع منزلك مثل أبراج الملك فالديمار ويزين بالكثير من التماثيل الرائعة مثل تماثيل تورفالسن التي في براستو.
فلتع ما سأقوله جيدا يا تاك الصغير؛ ستذيع سيرتك الطيبة في العالم بأسره، مثل السفينة التي كانت ستبحر من كورسر، وفي روسكيلا سوف تتحدث وتقدم المشورة بحكمة وبصواب، يا تاك الصغير، مثل الملك هرور، وحين ترقد أخيرا في قبرك الهادئ سوف تنام في وداعة كأنك ...»
قال تاك: «كأنني نائم في سورو.» ثم استيقظ. كان صباحا صحوا، ولم يستطع تذكر حلمه، لكن ذلك لم يكن ضروريا؛ فالمرء ليس بحاجة إلى معرفة ما سيراه في المستقبل.
وهنا قفز سريعا من فراشه، وبحث عن كتابه الذي كان قد وضعه أسفل وسادته. ثم قرأ درسه، فوجد أنه يعرف البلدات على نحو جيد جدا.
أطلت الغاسلة العجوز من الباب وقالت وهي تهز رأسها بمحبة: «شكرا يا فتاي الطيب على مساعدتك أمس. فليحقق الرب أسعد وأجمل أحلامك! إنني أثق أنه سيحققها.»
كان تاك الصغير قد نسي ما حلم به، لكن لا يهم؛ فهناك في السماء من يعلم كل شيء.
فرخ البط القبيح
كانت الأجواء جميلة في القرية؛ إذ كان الوقت فصل الصيف، وكانت حقول القمح بلون الذهب، وكان الشوفان أخضر، فيما كدس القش في أكوام هائلة في المروج الخضراء. وأخذ طائر اللقلق يتبختر وسطها بساقيه الطويلتين الحمراوين، وهو يثرثر بكلام باللغة المصرية، وهي اللغة التي تعلمها من أمه.
Página desconocida
أحاطت بالمروج وحقول الذرة من كل ناحية غابة كثيفة، وفي منتصف الغابة كانت توجد بحيرة عميقة. حقا، كانت الأجواء جميلة ومبهجة في القرية.
وفي منطقة مشمسة كان يوجد بيت ريفي قديم جميل تحيط به قنوات عميقة من كل النواحي؛ وكان ينمو من جدران البيت حتى حافة المياه نباتات أرقطيون ضخمة، بالغة الارتفاع، حتى إنه من الممكن لطفل صغير أن يقف أسفل أطولها منتصب القامة. كانت المنطقة مقفرة كما لو كانت واقعة في قلب غابة كثيفة.
في هذا الملاذ الآمن جلست بطة على عشها، في انتظار أن يفقس بيضها؛ إلا أن السعادة التي كانت قد أحست بها في البداية كادت تختفي؛ إذ بدأت تراها مهمة شاقة؛ فقد استغرق الصغار وقتا طويلا جدا في الخروج من البيض، وهي قلما يأتيها زوار. فقد كانت البطات الأخريات يفضلن السباحة في القنوات على تسلق الضفاف الزلقة والجلوس أسفل أوراق الأرقطيون للتسامر معها، فاستطال عليها كثيرا الجلوس وحدها.
مع ذلك، فقست بيضة في نهاية المطاف، وسرعان ما تبعتها أخرى، وخرج من كل بيضة كائن حي رفع رأسه وصاح: «بيب، بيب.»
قالت الأم: «كاك، كاك»؛ فحاول الجميع أن يصيحوا هكذا أيضا، بقدر ما استطاعوا، وهم ينظرون حولهم في كل اتجاه إلى الأوراق الخضراء الطويلة. وسمحت لهم أمهم بالنظر حولهم كما يحلو لهم؛ لأن اللون الأخضر مفيد للعين.
حين وجد الصغار أن لديهم مساحة أكبر كثيرا عن التي كانت داخل البيضة قالوا: «يا له من عالم كبير حقا!»
قالت الأم: «هل تعتقدون أن هذا هو العالم بأسره؟ انتظروا حتى تروا الحديقة. إنها أوسع من ذلك حتى إنها تمتد حتى حقل الراعي، رغم أنني لم أغامر بالذهاب بعيدا هكذا قط. هل خرجتم جميعا؟» وواصلت الكلام وقد نهضت لتنظر: «لا، ليس كلكم؛ يا للدهشة، فأكبر بيضة ما زالت هنا. ترى حتى متى سيستمر هذا الأمر؛ فقد كدت بحق أسأم منه.» لكنها جلست مرة أخرى رغم ذلك.
صاحت بطة عجوز جاءت لزيارتها: «حسنا، كيف حالك اليوم؟»
قالت الأم الحانية، التي كانت راقدة بلا حراك على عشها: «إحدى البيضات تستغرق وقتا طويلا لتفقس. فقشرتها صلبة ولا تنشرخ. لكن انظري للآخرين. أليس لدي أسرة جميلة؟ أليست أجمل فراخ بط صغار رأيتها على الإطلاق؟ إنهم يشبهون أباهم؛ عديم النفع! فهو لا يأتي ليراني قط.»
قالت البطة العجوز: «دعيني أر البيضة التي لم تفقس. إنني متأكدة أنها بيضة دجاج حبشي. فقد حدث لي نفس الشيء ذات مرة، ويا للمشاكل التي سببها لي، فالصغار يخافون من الماء. أخذت أصيح وأنق لكن دون جدوى. دعيني ألق عليها نظرة. نعم، إنني على صواب؛ أقسم إنها بيضة دجاج حبشي؛ فلتعملي بنصيحتي ولتتركيها في مكانها. اذهبي إلى المياه وعلمي الصغار الآخرين السباحة.»
Página desconocida
قالت الأم: «أعتقد أنني سأمكث لبعض الوقت. فقد رقدت كثيرا، ولن يفرق يوم أو يومان.»
قالت البطة العجوز وهي تنهض: «حسنا جدا، كما تريدين.» ثم رحلت. •••
أخيرا فقست البيضة الكبيرة، وصاح الطائر الأخير: «بيب، بيب»، وهو يزحف خارجا من البيضة. كم كان كبيرا وقبيحا! أخذت البطة الأم تحدق فيه وهي لا تدري فيم تفكر. ثم قالت: «هذا فرخ بط ضخم حقا، ولا يشبه أيا من الآخرين مطلقا. ترى هل سيصير دجاجا حبشيا. حسنا، سنرى حين نذهب إلى المياه؛ فلا بد أن ينزل المياه، حتى إن كنت سأضطر إلى دفعه إليها بنفسي.»
في اليوم التالي كان الجو لطيفا. وأشرقت الشمس ساطعة على أوراق الأرقطيون الخضراء، فأخذت البطة الأم أسرتها كلها إلى البركة وقفزت فيها فتناثرت المياه. وصاحت: «كاك، كاك!» فقفز البط الصغير واحدا تلو الآخر. غطست رءوسهم تحت المياه، لكنهم أخرجوها مرة أخرى في الحال وعاموا بشكل بديع للغاية، وأرجلهم تجدف تحتهم بمنتهى اليسر؛ فقد كانت أرجلهم تتحرك من تلقاء نفسها؛ وكان الفرخ القبيح ذو الريش الرمادي في الماء أيضا، يسبح معهم.
قالت الأم: «أوه، إنه ليس دجاجا حبشيا. انظروا كيف يستخدم رجليه جيدا، وكيف يشد عوده! إنه صغيري، وليس قبيحا جدا على كل حال، إن نظرتم إليه بالطريقة الصحيحة. كاك، كاك! تعالوا معي الآن. سوف آخذكم لمجتمع الكبار وأعرفكم على المزرعة، لكن لا بد أن تظلوا قريبين مني وإلا داستكم الأقدام؛ واحترسوا من القط بشكل خاص.»
حين بلغوا فناء المزرعة، كان هناك أعمال شغب مؤسفة؛ إذ كانت عائلتان تتعاركان على رأس سمكة أنقليس، والتي خطفها القط في النهاية. قالت البطة الأم وهي تحك منقارها؛ فهي نفسها كانت ترغب في رأس الأنقليس: «انظروا يا أطفال، هذا هو حال الحياة. هيا الآن، فلتعتمدوا على أرجلكم، ودعوني أر كيف تحسنون التصرف. لا بد أن تحنوا رءوسكم بلطف لتلك البطة العجوز هناك؛ فهي الأرفع نسبا بينهم جميعا ولديها عرق إسباني؛ ولذلك هي موسرة الحال. ألا ترون قطعة القماش الحمراء الملفوفة حول ساقها؟ إنها علامة على منزلة كبرى وشرف كبير بين البط؛ إنها دليل على أن على الجميع الحرص على الانتباه لها، وأنه على كل من الإنسان والحيوان احترامها. هيا الآن، لا تقبضوا أصابعكم؛ البط الصغير المهذب يقف مباعدا بين قدميه، تماما مثل أبيه وأمه، بهذه الطريقة؛ والآن أحنوا رقابكم وقولوا: «كاك»!»
فعل البط الصغير ما أمروا به، لكن البط الآخر ظلوا يحدقون، وقالوا: «انظروا، ها هي فراخ أخرى؛ كأن المكان لم يضق بنا بالفعل! ويا للهول، يا له من كائن غريب الشكل الذي بينهم؛ إننا لا نريده هنا!» ثم طار أحدهم وعضه في رقبته.
قالت الأم: «دعه وشأنه؛ إنه لا يسبب أي أذى.»
قال ذكر البط الشرير: «نعم، لكنه كبير وقبيح جدا. إنه مخيف للغاية. ولذلك لا بد من طرده. القليل من العض سيفي بالغرض.»
قالت البطة العجوز ذات القماشة الملفوفة حول ساقها : «الصغار الآخرون شكلهم جميل جدا، كلهم ما عدا ذلك. أتمنى أن تستطيع أمه أن تلطف من شكله بعض الشيء؛ فهو دميم حقا.»
Página desconocida
أجابت الأم: «هذا مستحيل يا صاحبة السمو. إنه ليس حسن الشكل، لكنه حسن الطباع للغاية ويسبح مثل الآخرين بل أفضل منهم. أعتقد أنه سيصير جميلا حين يكبر، وربما أصغر حجما. لقد مكث طويلا جدا في البيضة؛ ولهذا لم يتكون شكله على النحو الصحيح.» ثم ربتت على رقبته ومسدت ريشه، وهي تقول: «إنه ذكر؛ لذا ليس لشكله أهمية كبيرة. أعتقد أنه سيكون قويا حين يكبر وقادرا على العناية بنفسه.»
قالت البطة العجوز: «البط الصغير الآخر جميل بالقدر الكافي. والآن فلتتصرفوا كأنكم في منزلكم، وإن عثرتم على رأس أنقليس فلتأتوني به.»
وهكذا مضوا مطمئنين؛ لكن فرخ البط المسكين الذي كان آخر من خرج من بيضته بعد الجميع وكان يبدو قبيحا جدا، عضته وزجرته وسخرت منه كل الطيور الداجنة، وليس البط فقط.
قال الجميع: «إنه كبير جدا»؛ أما الديك الرومي، الذي ولد بشويكات في رجليه وكان يتخيل نفسه إمبراطورا بحق، فقد انتفخ مثل سفينة ناشرة كل أشرعتها وهاجم فرخ البط. كان رأسه قد احمر غضبا تماما، حتى إن الصغير المسكين لم يعلم أين يذهب، وكان بائسا جدا؛ لأنه كان قبيحا لدرجة أن كل من في فناء المزرعة سخر منه.
وتوالت الأيام، وساء الحال أكثر فأكثر. كان الجميع ينبذ الفرخ الدميم؛ حتى أشقاؤه وشقيقاته كانوا قاسين معه ويقولون له: «أوه، يا لك من مخلوق دميم، ليت القط يمسك بك!» وحتى أمه سمعت وهي تقول إنها تتمنى لو أنه لم يولد قط. وكان البط ينقره، والدجاج يضربه، والفتاة التي تطعم الطيور الداجنة كانت تدفعه بقدميها. لذلك هرب في النهاية، فأخاف الطيور الصغيرة التي عند سياج الأشجار وهو يطير فوق الأوتاد. وقال: «إنهم خائفون لأنني قبيح جدا.» لذلك ظل يطير مبتعدا، حتى وصل إلى مستنقع كبير يسكنه بط بري. وهناك مكث الليلة بطولها، وهو يشعر بأسى شديد.
في الصباح، حين ارتفع البط البري في السماء، راحوا يحدقون في رفيقهم الجديد. ثم قالوا جميعا، وهم يلتفون حوله: «من أي أنواع البط أنت؟»
فانحنى لهم وكان لطيفا معهم قدر استطاعته، ولكنه لم يجب عن سؤالهم. قال البط البري: «إنك قبيح للغاية، لكن هذا لا يهم ما دمت لن تتزوج واحدة من أسرتنا.»
يا للمسكين! فهو لم يكن يفكر في الزواج؛ إنما كل ما أراده السماح بالجلوس بين نباتات الأسل والشرب من ماء المستنقع. وبعد أن مر عليه يومان في المستنقع، جاء اثنان من الإوز البري، أو بالأحرى أفراخ الإوز، فلم يكونا قد خرجا من البيضة منذ وقت طويل، وهذا مما يفسر وقاحتهما. قال أحدهما لفرخ البط: «اسمع يا صديقي، إنك قبيح جدا حتى إننا أحببناك للغاية. هلا أتيت معنا وصرت من الطيور المهاجرة؟ يوجد مستنقع آخر على مقربة من هنا، يوجد فيه بعض الإوز البري، كلهم غير متزوجين. إنها فرصة لك لتحصل على زوجة. فقد يحالفك الحظ رغم قبحك.»
ثم دوى في الهواء صوت «طاخ، طاخ»، وسقط ذكرا الإوز البري صريعين بين نباتات الأسل، وتلونت المياه بلون الدم. تردد الصوت «طاخ طاخ» في جميع الأرجاء، وقامت أسراب بأسرها من الإوز البري من بين النباتات.
ظل الصوت يأتي من كل اتجاه، فقد أحاط الصيادون بالمستنقع، حتى إن بعضهم جلسوا على فروع الأشجار، المطلة على نباتات الأسل. ارتفع دخان البنادق الأزرق مثل السحب فوق الأشجار الداكنة، وبينما هو يطفو بعيدا فوق المياه، قفز عدد من كلاب الصيد بين النباتات، التي انثنت تحتها أينما ذهبت. كم أرعبت فرخ البط المسكين! فقد أدار رأسه ليخبئه أسفل جناحه، وفي نفس اللحظة مر كلب ضخم مريع قريبا جدا منه. كان فكاه منفرجين، ولسانه متدليا من فمه، وعيناه تلمعان لمعانا مخيفا. وقد دس أنفه مقتربا من فرخ البط، كاشفا عن أسنانه الحادة، ثم دخل في الماء، محدثا رذاذا كبيرا، دون أن يمسه.
Página desconocida
تنهد فرخ البط وقال: «أوه، كم أنا ممتن لقبحي الشديد؛ فحتى الكلاب تأبى أن تعضني!»
هكذا جلس في سكون تام، والطلقات تخترق النباتات، وبندقية تلو الأخرى تطلق الرصاص فوقه. ولم تهدأ الأجواء قبل ساعة متأخرة من اليوم، لكن حتى آنذاك لم يجرؤ الصغير المسكين على الحركة. إذ انتظر ساعات في صمت، ثم نظر حوله بحذر قبل أن يفر مسرعا من المستنقع بأقصى ما استطاع من سرعة. جرى عابرا حقلا ومرجا حتى قامت عاصفة، استطاع أن يسير خلالها بمشقة شديدة.
مع اقتراب المساء وصل إلى كوخ صغير رديء بدا على وشك الانهيار، وبدا أنه لم يبق قائما إلا لأنه لم يستطع أن يقرر الجانب الذي سيسقط عليه أولا. ظلت العاصفة تهب عاتية حتى إن فرخ البط لم يقو على التقدم أكثر من ذلك. جلس قريبا من الكوخ، ثم لاحظ أن الباب لم يكن مغلقا تماما؛ لأن إحدى مفصلاته قد انخلعت. لذلك كان ثمة فتحة ضيقة قرب أسفل الباب تكفي ليتسلل منها، وهو ما فعله في هدوء شديد، وهكذا حصل على مأوى من أجل المبيت. كان يعيش في هذا الكوخ امرأة وقط ودجاجة. القط الذي كانت تناديه سيدته: «ولدي الصغير»، كان له حظوة كبيرة لديها؛ فقد كان يستطيع أن يقوس ظهره، ويخرخر، بل كان يستطيع حتى أن يطلق شررا من فرائه إن ربت عليه بطريقة خاطئة. أما الدجاجة فقد كان لديها ساقان قصيرتان جدا، لذا كانت تدعى «تشيكي القصيرة». وكانت تضع بيضا جيدا، وكانت سيدتها تحبها كأنها طفلتها. في الصباح اكتشفوا الزائر الغريب؛ فأخذ القط يخرخر والدجاجة تقوق.
قالت السيدة العجوز وهي تجول بنظرها في أنحاء الحجرة: «لماذا هذه الضجة؟» إلا أن نظرها لم يكن قويا؛ لذلك حين رأت فرخ البط اعتقدت أنه لا بد أن يكون بطة سمينة ضلت الطريق. هتفت قائلة: «أوه، يا لها من غنيمة! أرجو ألا يكون ذكرا، فساعتها سأحصل على بعض بيض البط. لا بد أن أتريث.»
هكذا سمح لفرخ البط بالبقاء ثلاثة أسابيع على سبيل التجربة؛ لكن لم يكن هناك بيض.
كان القط هو سيد المنزل، وكانت الدجاجة هي سيدته؛ وكانا دائما يقولان: «نحن والعالم»، إذ كانا يعتقدان أنهما نصف العالم، بل إلى حد كبير نصفه الأفضل كذلك. وكان فرخ البط يعتقد أنه من الممكن أن يكون للآخرين رأي مختلف حول الأمر، لكن الدجاجة لم تكن تلقي بالا لمثل تلك الشكوك.
سألته الدجاجة: «هل تستطيع أن تبيض؟» فأجابها قائلا: «لا.» فقالت: «فلتتحل بالصمت إذن.» وسأله القط: «هل تستطيع أن تقوس ظهرك أو تخرخر أو تطلق شررا؟» فقال: «لا.» قال القط: «إذن ليس من حقك أن تعبر عن رأيك حين يتحدث أشخاص حكماء.» هكذا جلس فرخ البط في ركن، شاعرا بحزن شديد؛ لكن حين دخل ضوء الشمس والهواء المنعش الحجرة من الباب المفتوح، بدأ يراوده شوق شديد للسباحة، فلم يستطع كتمانه.
قالت الدجاجة: «يا لها من فكرة سخيفة! ليس لديك شيء آخر لتفعله؛ لذلك لديك خيالات حمقاء. لو كنت تستطيع الخرخرة أو وضع البيض، لكانت ستزول.»
قال فرخ البط: «لكن السباحة في الماء ممتعة جدا، ومن المنعش جدا أن تشعر بالماء وهي تغمرك وأنت تغوص إلى الأعماق.»
قالت الدجاجة: «ممتعة حقا! لا بد أنها نوع غريب من المتعة. ويحي، لا بد أنك مجنون! فلتسأل القط؛ فهو أمهر الحيوانات التي عرفتها؛ اسأله إن كان يود السباحة في الماء، أو الغوص فيها؛ فأنا لن أتحدث عن رأيي الخاص. فلتسأل سيدتنا، السيدة العجوز؛ فليس هناك في العالم من هو أذكى منها. هل تعتقد أنها قد تستمتع بالسباحة والسماح للماء بأن يغمر رأسها؟»
Página desconocida