Historia sin principio ni final
حكاية بلا بداية ولا نهاية
Géneros
ترى هل اكتشفت وجومه؟ إنه على دراية بتسللها الناعم. قال: أجل، في أحضان الحب يطير طيرانا.
فامتلأت عيناها بالحنان وقالت: وطيلة النهار جعلت أتذكر وأغني لنفسي. - ثمة ذكريات لا تنسى. - قبيل الخطوبة وأنت تخالسني النظر من مجلسك في القهوة.
فخفض من صوته وهو يقول: الحب جنون! - وكل ركن في هذه الشقة يستطيع أن يقوم ألف دليل على حبنا. - ألف دليل ودليل. - هكذا مرت السنوات الخمس فلم نشعر بمرورها. - أجل. - بالرغم من أن متاعبك فيها لا يمكن أن تنسى.
فغلبته عواطف مكبوتة فقال: كانت متاعب سعيدة. - بل كانت السعادة أقوى من المتاعب!
تنهد. تجلت في عينيه نظرة حالمة. قال: تلك الأيام! كنت موظف أرشيف خارج الهيئة، أعمل عملا متواصلا من طلعة الصبح حتى أول الليل، حتى الغداء كنت أتناوله تحت أرفف الأرشيف، فقير كادح وزوج عاشق، حتى النسل أجلته لحين تتحسن الحال، لا وقت للتفكير، لا وقت للنظر، عمل عمل عمل، وأعود إليك مرهقا ولكن بفؤاد حي مشتاق، أجد الحمام مبخرا فأغتسل وأرتدي جلبابا مزهرا، نتبادل الحديث، نتناول العشاء، نسعد بالحب، ننام النوم العميق، لا أفكار ولا أكدار، ثقة لا حد لها بكل شيء، بك وبنفسي وبالله، وإيمان لا حد له بك وبنفسي وبالله، كل شيء ثابت الأركان مدعم البنيان. - أيام شاقة وسعيدة يا عبد الله. - جري بلا انقطاع وراء لقمة العيش، طمأنينة شاملة، حب يتبادل بقوة تضاهي قوة دوران الأرض!
أزاحت خصلة سوداء تهدلت فوق عينها وقالت وهي تضحك في دلال: ولكننا لم نكن نهنأ بجلسة سعيدة كهذه الجلسة في العصاري الطيبة.
فقال بحزن لم يعد يستطيع مداراته: فقد من الله علي بالترقية. - أصبحت مراجع وحدة ينتهي عمله في تمام الثانية بعد الظهر مثل كبار الموظفين. - وتهيأ لي من الفراغ ما لم أكن أحلم به.
ربتت على خده وقالت بارتياب: ما لك؟ - لا شيء بي. - خيل إلي أنك لست كعادتك.
ابتسم. ابتسم. وهو يرنو إلى بشرتها الصافية. اعترف بأنه لا شيء يمارس سيطرته على شيء كما تمارس سيطرتها عليه. عادت تسأله: ألست سعيدا بالترقية والفراغ؟ - الحق أن الفراغ خلقني من جديد. - وأنا كذلك. - فقد رأيتك في النهار طويلا بعد أن لم أكن أراك فيه إلا خطفا!
ضحكت ضحكة ناعمة منغومة فواصل حديثه: ورأيت حارتنا في الضوء، عرفت المقهى، توثقت علاقتي بالجيران خاصة الإمام والمدرس وشيخ الحارة.
Página desconocida