العالمين ، فعند ما اعترف هارون بزلته (1) في مقامه معهم ، وتركه لاتباع موسى عند ما رأى منهم ، قال موسى صلى الله عليه : ( رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ) (151) [الأعراف : 151] ، وقول (2) موسى لهارون صلى الله عليهما : ( أفعصيت أمري ) [طه : 93] ، بين أن قد كان أمره وقال له إن رأيت من القوم عمى ، أو ضلالا أو ظلما ، فلم يقبلوا قولك فيه ، وأقاموا مصرين عليه ، فالحقني ، وآتني (3) واتبعني ، فهذا وجه قوله ( أفعصيت أمري )، يقول فأقمت مع من كفر وظلم ، وجاورت مقيما مع من أجرم.
وفي موسى نفسه صلى الله عليه ومن كان معه وتبعه لميقات الله له (4) من خيار بني إسرائيل ، ما يقول الله تبارك وتعالى فيما نزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله من كتابه الحكيم : ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين ) (155) [الأعراف : 155] ، فأخذتهم الرجفة ، وحلت بهم من (5) المعصية المخافة ، وهم هم ، ومع سخطهم لهم ، فوصلت معرة العاصين منهم ، إلى من قد (6) زال عنهم ، فلما أصابتهم الرجفة ، ظنوا أنها الهلكة المتلفة ، ولم تكن تلك الرجفة من الله لهم هلكة مدمرة ، ولكنها كانت من الله لهم ولغيرهم من الأمم موعظة وتذكرة ، نفعهم الله بها وأولياءه ، وذعر بها من الأمم أعصياه ، رحمة من الله للمطيعين والعاصين ، وموعظة للفريقين من رب العالمين ، فتبارك الله فيها أحكم الحاكمين ، والحمد لله بها وفيما كان منها لأرحم الراحمين.
Página 286