بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة المؤلف]
اللهم وفق وسدد وأرشد يا كريم وصلى الله على محمد وآله:
الحمد لله الذي أيد علوم العترة النبوية بأئمتها، واقتاد الأفهام إلى رياضها العلوية بأزمتها، وهدى ذوي المعارف لاستخراج فرائد أكنتها، وراض بأفكارهم جوامح فوائدها في أعنتها، نحمده أن جعل أئمة العترة أطواد الإيمان، وأسباب الأمان، قرن بهم القرآن، فهم والكتاب الثقلان، ونظمهم في سلك الفرقان، فظهر فضلهم على الناس وبان، أنوار أقمار علومهم أقمار سماء العرفان، وأطواد حلومهم أوتاد الأرض من الميدان، هم عرى الحق المشبهون يوم الطوفان بالسفينة، أبناء باب المدينة، وأسباط فاطمة الأمينة، هم أساس الدين وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة.
Página 43
أخذوا الكلمة عن آبائهم، وتوارثوا الرواية بأبنائهم، فإسنادهم سلاسل الذهب، وكلامهم قواعد المذهب، متصل علم أولهم بآخرهم، ذلك أدنى فضائلهم ومفاخرهم. [الطويل]
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم .... بهن فلول من قراع الكتائب
جمعوا بين فضيلتي العلم والجهاد، وألفوا في المحاسن بين الأشتات والأضداد، إذا تأمل علومهم المتأمل وفكر في فنونهم المفكر، لم يعترضه الشك في أنها علوم من قصر نفسه على التصنيف دهره، وأنه كلام من لا حظ له في غير التأليف عمره، ولا يكاد يوقن بأنها علوم من ينغمس في الحرب إذا حمي الوطيس، وكلام من شخصه للرماح يوم الكفاح مغناطيس، يلبس أحدهم لامة حربه وهو يلقي مسائل التدريس، ويركب جواده لقتال أعدائه وهو يفتي أعجب من فتاوي محمد بن إدريس. [المنسرح]
قوم بلوغ الغلام عندهم .... طعن نحور الكماة لا الحلم
إن ركبوا الخيل غير مسرجة .... فإن أفخاذهم لها حزم
فإن هدأوا وأمد الليل رواقه، ولبس جيده أطواقه؛ رتلوا القرآن في الصلوات، وأسبلوا على الخدود واكف العبرات، وواصلوا بين الركوع والسجود، ووصلوا صلاة الصبح بالعشاء والناس هجود ، شنشنة توارثوها كابرا عن كابر ، وحلية أورثوها عن أسرة في الفضل ومنابر.
Página 44
وتراهم إذا رقصت المعضلات أرباب الدراية، ورنحت المشكلات أطواد الهداية، يصدرون أجوبتها غضة طرية، تارة مما نقحته الفكرة النبوية ، ومرة مما خزنته الحافظة النبوية؛ فجواباتهم في النظريات مطبقة لمفاصل الصواب، وفي النقليات مؤيدة بالسنة والكتاب.
وموضع التعجب من سعة علومهم مع سعة أعاديهم، وبقاء مذهبهم على كثرة معاديهم، وما زالت الأموية والعباسية والنواصب من الحشوية والنوابت من البكرية جادين في محو منارهم، ومجتهدين في طمس آثارهم.
ثم إن من عرف محنتهم ومجهول منتهم، أن يقوم الداعي منهم إلى كتاب الله تعالى كالهادي والمنصور، وأمثالهما من أئمة تلك العصور، قد جمع شرائط الإمامة المعتبرة شرعا، وكملت فيه أوصافها أصلا وفرعا، فتصم الأمة عن استماع دعوته، فيكون السبب لأكثرهم في عداوته، ما دعا قائمهم أهل زمانهم إلا حدجوه بأعيانهم، ورفضوه بإمكانهم، وجعلوا أصابعهم في آذانهم، وليتهم إذ لم يجيبوا دعوته لم يمزقوا فروته، وإذ لم يقبلوا حجته لم يعملوا بمكائدهم مهجته، وقد أحسن قائلهم حين أحزنته مقالتهم: [الخفيف]
جعلونا أدنى عدو إليهم .... فهم في أعراضنا آكلونا
أنكروا حقنا وجاروا علينا .... وعلى غير إحنة أبغضونا
وجزونا بالأسر والحبس والقت .... ل خلافا لما يقول أبونا
وأضاعوا الحقوق فينا ولم نع .... لم بأنا إليهم مذنبونا
غير أن النبي منا وأنا .... لم نزل في صلاحهم راغبينا
إن دعونا إلى الهدى لم يجيبو .... نا وكانوا عن الهدى ناكبينا
أو أمرنا بالعرف لم يسمعوا منا .... وردوا نصيحة الناصحينا
Página 45
فعسى الله أن يديل أناسا .... من أناس فيصبحوا ظاهرينا وإذ قد تم حمد الله على أياديه العظمى، فإنا نعود إلى وصل جناحه بالشهادة حذرا من اليد الجذمى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، أوجب فضله حمده، فله الحمد بالغدو والآصال بالقلم واللسان والأوصال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم الإرسال، صلى الله عليه وآله خير آل، ما ملع رال ولمع آل. وبعد:
فلما رأيت مذهب العترة النبوية قد قل ناصره، وونت في هذا الزمان عناصره، ورغب عنه من كان فيه راغبا، وشغب فيه من كان لأضداده مشاغبا، رأيت أن أذكر ما إذا نظر فيه الناظر من المتمسكين به ازداد رغبة في التزامه، وإذا وقف عليه الواقف من المائلين عنه رجع إلى التنسك باعتقاده، والانخراط في سلكه ونظامه، هذا مع التأييد بالتوفيق، والرجوع إلى الإنصاف والتحقيق ، واطراح المكابرة، وترك ما نهى عنه من المراء في المناظرة؛ فأما من غلب حب المراء وغلب على قلبه، فقد ملك الشيطان قياده، وخرج عن طاعة ربه ، فنعوذ بالله من حب المراء والامتراء بارتضاع أخلافه ، ومناصبة الحق والاعتداء لمحبة خلافه.
Página 46
وسميت هذا التأليف المبارك (هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطاهرين) والله أسأله الإعانة والتأييد، والعصمة والتسديد؛ فما التوفيق إلا منه، ولا الاستعانة إلا به، ولا التوكل إلا عليه.
اعلم أنه قد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حديث افتراق هذه الأمة إلى نيف وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة ، روى هذا الحديث أئمة أهل البيت -عليهم السلام- ، ورواه علماء الحديث وفرق الإسلام، وادعت كل فرقة أنها هي الفرقة الناجية.
وروى حديث الافتراق الرازي في أول (مفاتيح الغيب) وقال ما لفظه: لقد جاء في الحديث المشهور قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة كلهم في النار إلا ملة واحدة)) قال: وهذا يدل على أن الاثنين وسبعين موصوفون بالعقائد الفاسدة.
وإذا أردنا أن نتكلم في أن أهل البيت عليهم السلام هم الفرقة الناجية ومن اتبعهم؛ تكلمنا في أربعة فصول:
الفصل الأول: فيما ورد فيهم من القرآن وآياته.
الفصل الثاني: فيما جاء فيهم من حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وبيناته.
الفصل الثالث: في أن تقليدهم في الفروع واتباعهم أولى من غيرهم، لما خصهم الله به من هذه الفضائل الشريفة، والخصائص الزليفة، والمناقب المنيفة، وكلها دالة على فضلهم وشرفهم، وارتفاع درجاتهم وزلفهم.
الفصل الرابع: في ذكر أعيان أئمة الزيدية، وبيان أوصافهم الحميدة وأفعالهم السديدة.
Página 47
[من هم أهل البيت(ع)]
وقبل [أن] نذكر هذه الفصول نقدم الكلام في أهل البيت من هم؛ حتى يصح لنا إيراد ما نورده من فضائلهم ومناقبهم، ونذكره من سمو درجاتهم ومراتبهم.
فمن ذلك: ما رويناه عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة -عليه السلام- قال من (صحيح مسلم) في الجزء الرابع منه من أجزاء ستة في آخر الكراسة الثانية من أوله، بإسناده إلى يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر [و]بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال [له] حصين: لقد رأيت يا زيد خيرا كثيرا ، رأيت رسول الله، وسمعت حديثه، وغزوت معه وصليت، لقد أوتيت يا زيد خيرا؛ حدثنا ما سمعت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فما حدثتكم فاقبلوه، وما لا فلا تكلفونيه.
ثم قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فينا خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة؛ فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: ((أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به -فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال:- وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)) .
فقال الحصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟
Página 48
فقال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.
هذه رواية الإمام المنصور بالله -عليهم السلام-.
ومن (كتاب المستوفى) لأبي الخطاب ذي النسبين في تفسير آل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: والذي علمنا رسول الله فيما صح باتفاق: ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)) أي ذريته، وليس له ذرية إلا من سيدة نساء أهل الجنة، أم أبيها فاطمة الزهراء البتول، وهم الذين حرموا الصدقة.
أخرج مسلم في صحيحه من طريقين بأسانيد ثم قال: حدثنا محمد بن بكار بن الريان، قال: حدثنا حسان بن إبراهيم، عن سعيد -وهو ابن مسروق- عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، قال: دخلنا عليه فقلنا: لقد رأيت خيرا، لقد صاحبت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وصليت خلفه.
Página 49
وساق الحديث بنحو حديث ابن حيان غير أنه قال: ((ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل وهو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلاله)) ثم قال في حديث أبي حيان: وزاد مسلم فيه: ((فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به -فحث على كتاب الله ورغب فيه- ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، وأذكركم الله في أهل بيتي -ثلاثا-)) الحديث، وفيه: فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله، وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده، وهم: آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.
فثبت بهذا النص الصحيح ما فسره الصاحب الذي شهد نزول الوحي بتفسيره الصريح، هذا كلام أبي الخطاب.
Página 50
وقوله: وشهد نزول الوحي بتفسيره الصريح، إشارة منه فيما أحسب إلى تصديق زيد بن أرقم في حديثه لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بما سمعه من عبدالله بن أبي في غزوة (بني المصطلق) حين قال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون:8] ، عنى بالأعز نفسه، وبالثاني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فسمعه زيد بن أرقم وهو حدث فقال: أنت والله القليل الذليل، ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين؛ فقال عبدالله: اسكت فإنما كنت ألغب؛ فأخبر زيد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم- لعبدالله: ((أنت صاحب الكلام الذي بلغني؟)) قال: والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وإن زيدا لكاذب، وهو قوله تعالى: {اتخذوا أيمانهم جنة} [المنافقون:2] ، فقال الحاضرون: يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا نصدق عليه كلام غلام عسى أن يكون قد وهم.
فروي أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال له: ((لعلك غضبت عليه؟)) قال: لا، قال: ((فلعله أخطأ سمعك؟)) قال: لا، قال: ((فلعله شبه عليك؟)) قال: لا.
فلما نزلت لحق رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- زيدا من خلفه فعرك أذنه وقال: ((وفت أذنك يا غلام إن الله قد صدقك وكذب المنافقين)) .
Página 51
وهذا الكلام خارج عما نحن فيه، وإنما فسرنا به قول أبي الخطاب: (وشهد نزول الوحي بتفسيره الصريح) ويحتمل أنه أراد بنزول الوحي وهو الأقرب قول الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)} [الأحزاب] على ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى، ونعود إلى تمام كلام أبي الخطاب في تحريم الصدقة على آل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
قال: وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((كخ كخ -ليطرحها- ثم قال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة)) . هذا نص (صحيح البخاري) في كتاب الصدقة.
ونص (صحيح مسلم): أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فحطها في فيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة)) .
وثبت في (صحيح مسلم) حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وما قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وللفضل بن العباس بن عبد المطلب، حين أراد والداهما أن يؤمرهما رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على الصدقات فلم يفعل، وقال لهما: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس)) الحديث بطوله أخرجه مسلم في صحيحه.
Página 52
قال أبو الحسن علي بن خلف بن بطال في (شرح الجامع الصحيح) للبخاري: اتفق كافة العلماء على أن أزواج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يدخلن في آله الذين تحرم عليهم الصدقة، انتهى كلام أبي الخطاب.
والقصد بهذا تفسير أهل البيت؛ لأن آل رسول الله -صلى الله عليه
وآله وسلم- هم أهل بيته، وأهل بيته هم آله ، وقد تقدم تفسير زيد بن أرقم لأهل البيت، وأن أزواجه -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يدخلن في أهل بيته، وإنما أهل بيته من تحرم عليهم الصدقة.
[بحث حول آية التطهير]
إن قيل: إن هذه الآية وهي قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)} [الأحزاب] ، وردت في زوجات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، لأن أول الآية وما بعدها يشهد بذلك، قال الله في أولها: {يانساء النبي لستن كأحد من النساء} [الأحزاب:32] ، إلى قوله تعالى: {إنما يريد الله} [الأحزاب:33] ، وقال تعالى في آخرها: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن} [الأحزاب:34] ، وهذا يقضي بأنها واردة فيهن دون غيرهن، وقد قال الزمخشري في كشافه : وفي هذا دليل بين على أن نساء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من أهل بيته، هذا لفظه.
Página 53
الجواب: أن لفظة أهل البيت إذا أطلقت لم يسبق إلى فهم سامعها أن المقصود بها إلا ذرية النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- دون غيرهم، ولهذا لو قال قائل مذهب أهل البيت، أو ذكر فضل أهل البيت، أو علم أهل البيت، أو أئمة أهل البيت، لم يسبق إلى الأفهام من إطلاق هذا اللفظ إلا من ذكرناه، فيحمل عليه خطاب الله تعالى لأن الواجب حمله على ما هو السابق إلى الأفهام.
وأما ما كان من توسط ذكر أهل البيت بين نساء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فذلك لا مانع منه، لأن آيات القرآن قد يتخلل بعضها بعضا، ويتوسط بعضها بعضا إذا كانت الجملة مستقلة بنفسها غير مرتبطة بما قبلها وما بعدها، كما ورد في سورة الصافات في قوله تعالى : {فإنكم وما تعبدون(161)ما أنتم عليه بفاتنين(162) إلا من هو صال الجحيم(163) } [الصافات] ، وهذا خطاب موجه إلى بني آدم، ثم قال تعالى حكاية عن الملائكة -عليهم السلام -: {وما منا إلا له مقام معلوم(164)وإنا لنحن الصافون(165)وإنا لنحن المسبحون(166) } [الصافات] ، ثم رجع الخطاب إلى بني آدم، قال الله تعالى: {وإن كانوا ليقولون(167)لو أن عندنا ذكرا من الأولين(168)} [الصافات] ، وهذا يشاكل ما ورد في سورة الأحزاب من توسط ذكر أهل البيت بين أوصاف نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
Página 54
ومثل هذا ما ورد في سورة العاديات قال الله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود(6)وإنه على ذلك لشهيد(7)وإنه لحب الخير لشديد (8)} [العاديات] ، فالخير في قوله تعالى: {وإنه على ذلك لشهيد(7)} ، راجع إلى الله تعالى في أحد التفسيرين؛ فلم يمنع صحة ذلك توسطه بين وصفي ابن آدم.
وقد ذكر بعض المتأخرين من علماء الزيدية أن من الجائز أن يكون توسط ذكر أهل البيت بين أوصاف الزوجات ترتيبا صحابيا؛ لأن الصحابة بعد قبض رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- رتبوا القرآن وقدموا فيه وأخروا، أشار إلى ذلك في (كتاب الجوهرة) ونبه عليه في التعليق.
وهذا وإن كان يمشى فالظاهر أن سورة الأحزاب نزلت جملة واحدة، ولأن الصحابة إنما رتبوا السور لا الآيات، فإن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان إذا نزلت آية قال: ((اجعلوها في مكان كذا)) .
Página 55
لنا أيضا: أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قد بين أهل البيت من هم، وذلك ثابت فيما رويناه سماعا بالسند الصحيح من (صحيح الترمذي) فأول ما فيه أن ترجم مناقب أهل بيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يرفعه إلى جابر بن عبدالله، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب فسمعته يقول: ((يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد.
وروى بإسناده عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: نزلت هذه الآية على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)} [الأحزاب] ، في بيت أم سلمة فدعى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا))، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؛ قال: ((أنت على مكانك وأنت إلى خير)) ، وفي الباب عن أم سلمة، ومعقل بن يسار، وأبي الحمراء، وأنس بن مالك.
فصح بما قلناه أن لفظ أهل البيت مقصور على من ذكرناه دون الزوجات.
Página 56
ونعود إلى ما رتبنا عليه الكلام في هذا التأليف المذكور، إذ قد يجر كلامنا في معرفة أهل البيت من هم فنقول:
الفصل الأول:[بيان بعض ما ورد في أهل البيت(ع) من آيات القرآن]
أما الفصل الأول: وهو في بيان ما ورد في أهل البيت -عليهم
السلام- من آيات القرآن؛ فنحن نذكر ذلك ونعين مواضعه لنخرج عن العهدة، ويكون على صاحب الرواية العمدة.
[آية التطهير]
قال الإمام المنصور بالله -عليه السلام-: ومن (مسند ابن حنبل) في تفسير قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)} [الأحزاب] ، رفعه بإسناده إلى واثلة بن الأسقع قال: كان عنده قوم فذكروا عليا عليه السلام فشتموه فشتمه معهم، فلما قاموا قال: لم شتمت الرجل؟
قال: رأيت القوم يشتمونه فشتمته معهم؛ فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟
Página 57
قال: بلى؛ قال: أتيت فاطمة أسألها عن علي -عليه السلام- فقالت: توجه إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فجلست أنتظر حتى جاء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فجلس ومعه علي وحسن وحسين -عليهم السلام- آخذا كل واحد منهما بيده حتى دخل، فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه ، أو قال كساء، ثم تلا هذه الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33) } [الأحزاب] ، ثم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق)) .
وروى بإسناده ورفعه إلى أم سلمة قالت: بينما رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في بيتي يوما إذ قال الخادم: إن عليا وفاطمة عليهما السلام بالسدة، قالت: فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((قومي فتنحي لي عن أهل بيتي)) قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريبا.
فدخل علي وفاطمة و[معهما] الحسن والحسين عليهم السلام وهما صبيان صغيران، قالت: فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى وقبل فاطمة وأغدف عليهم خميصة سوداء، وقال: ((اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي)) ، قالت: قلت: وأنا يا رسول الله، قال: ((وأنت)).
Página 58
ومن (مسند ابن حنبل) مثله إلا أنها قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)} [الأحزاب] ، قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء وقال : ((اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)) قالت: فأدخلت رأسي البيت، وقلت: وأنا معكم يا رسول الله، قال: ((إنك إلى خير إنك إلى خير)) .
و[بإسناده] روى مثله إلا أنه زاد في آخره قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: ((إنك على خير)).
ومن (صحيح البخاري) في الجزء الرابع منه، ومن (صحيح مسلم) في الجزء الرابع منه أيضا، وفي آخر البخاري من ثمانية في جمع التصنيف، وأجزاء مسلم من ستة وهذا من المتفق عليه منهما، رفعه البخاري بإسناده إلى عائشة، ومسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المصنف رفعه بإسناده إلى عائشة -رضي الله عنها- قالت عائشة : خرج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود؛ فجاء الحسن بن علي -عليهم السلام- فأدخله فيهم ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال: (({إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)} [الأحزاب] )).
Página 59
ومن (تفسير الثعلبي) رويناه ورفعه بالإسناد إلى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب -عليه السلام- [عن النبي] قال: ((في الجنة لؤلؤتان إلى بطنان العرش إحداهما بيضاء والأخرى صفراء في كل واحدة منهما سبعون ألف غرفة أبوابها وأكوابها من عرق واحد ، فالبيضاء لمحمد [صلى الله عليه وآله وسلم] وأهل بيته، والصفراء لإبراهيم وأهل بيته)) .
ومن تفسيره بإسناده رفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((نزلت هذه الآية في خمسة: في، وفي علي، وفي حسن، وفي حسين، وفاطمة {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)} [الأحزاب] )) فهل بعد هذا من تصريح أو إشكال؟
Página 60
وبإسناده رفعه إلى إسماعيل بن عبدالله بن جعفر، قال: لما نظر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الرحمة هاطلة من السماء قال: ((من يدعو لي -مرتين-)) قالت زينب: أنا يا رسول الله، قال: ((ادعي لي عليا وفاطمة والحسن والحسين)) قال: فجعل حسنا عن يمينه، وحسينا عن شماله، وعليا وفاطمة تجاهه، ثم غشاهم كساء خيبريا، ثم قال: ((اللهم إن لكل نبي أهلا وهؤلاء أهل بيتي)) فأنزل الله عز وجل: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)} [الأحزاب] ، فقالت زينب: يا رسول الله ألا أدخل معكم ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : ((مكانك فأنت إلى خير)).
وقد روي هذا الحديث بأسانيد كثيرة وألفاظ متقاربة، كلها تمت إلى معنى واحد، وقد رفعه بإسناده على وجه عن أبي داود وعن أبي الحمراء قال: أقمت بالمدينة تسعة أشهر كيوم واحد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يجيء حتى يقوم على باب علي وفاطمة -عليهما السلام- فيقول : ((الصلاة، {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33) } )) فهذه نهاية التأكيد لمن كانت له بصيرة.
Página 61
ومن (الجمع بين الصحيحين) للحميدي بإسناده [رفعه إلى القاضي الأجل العالم أبي بكر عبدالله بن منصور بن عمران العسقلاني الباقلاني، رفعه إلى أبي الفضل السلامي البغدادي، عن أبي عبدالله محمد بن أبي نصر الحميدي المصنف و]روى ما رويناه عن عائشة، سواء سواء ليس فيه زيادة، [وليس لمصعب بن شيبة عن صفية عن مسند عائشة من الصحيح غير هذا.]
[ومن الجمع بين الصحاح الستة: موطأ مالك بن أنس الأصبحي، وصحيح مسلم، والبخاري، وسنن أبي داود السجستاني، وصحيح الترمذي، والفسحة الكبرى من صحيح النسائي من جمع الشيخ أبي الحسن رزين بن معاوية العبدري السرقسطي الأندلسي.
ومن طريق أبي جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد بن رزيق الحداد إليه أيضا،] وبإسناده أيضا في الجزء الثاني من أجزاء ثلاثة في تفسير سورة الأحزاب من صحيح أبي داود السجستاني وهو كتاب السنن في تفسير قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)} [الأحزاب]، قالت عائشة: خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله، وجاء الحسين فأدخله؛ ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (({إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(33)})).
Página 62