مُتَابَعَةِ هَذَا النَّبِيِّ ﷺ وَخُرُوجَهُمْ عَنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمُعَادَاتِهِمْ آبَاءَهُمْ وَعَشَائِرَهُمْ فِي مُتَابَعَتِهِ، وَبَذْلِهِمْ نُفُوسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ.
فَتَجْوِيزُ اخْتِيَارِ الْكُفْرِ بَعْدَ تَبَيُّنِ الْهُدَى عَلَى شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ حَقِيرَةٍ لَهَا أَغْرَاضٌ عَدِيدَةٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَجْوِيزِ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ طَبَقُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَهُمْ أَعْقَلُ الْأُمَمِ وَأَكْمَلُهَا فِي جَمِيعِ خِصَالِ الْفَضْلِ، وَأَيْنَ عُقُولُ عُبَّادِ الْعِجْلِ وَعُبَّادِ الصَّلِيبِ الَّذِي أَضْحَكُوا سَائِرَ الْعُقَلَاءِ عَلَى عُقُولِهِمْ، وَدَلُّوهِمْ عَلَى مَبْلَغِهَا بِمَا قَالُوهُ فِي مَعْبُودِهِمْ مِنْ عُقُولِ الْمُسْلِمِينَ؟
وَإِذَا جَازَ اتِّفَاقُ أُمَّةٍ - فِيهَا مَنْ قَدْ ذَكَرَهُ هَذَا السَّائِلُ - عَلَى أَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، نَزَلَ عَنْ عَرْشِ عَظَمَتِهِ وَكُرْسِيِّ رِفْعَتِهِ، وَدَخَلَ فِي بَطْنِ امْرَأَةٍ فِي مَحَلِّ الْحَيْضِ وَالطَّمْثِ عِدَّةَ شُهُورٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا طِفْلًا يَمُصُّ الثَّدْيَ، وَيَبْكِي وَيَكْبُرُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَبُولُ وَيَصِحُّ وَيَمْرَضُ، وَيَفْرَحُ وَيَحْزَنُ، وَيَلِدُ وَيَأْلَمُ، ثُمَّ دَبَّرَ حِيلَةً عَلَى عَدُوِّهِ إِبْلِيسَ بِأَنْ مَكَّنَ أَعْدَاءَهُ الْيَهُودَ مِنْ نَفْسِهِ، فَأَمْسَكُوهُ وَسَاقُوهُ إِلَى خَشَبَتَيْنِ يَصْلُبُونَهُ عَلَيْهِمَا، وَهُمْ يَجُرُّونَهُ إِلَى الصَّلِيبِ، وَالْأَوْبَاشُ وَالْأَرَاذِلُ قُدَّامَهُ وَخَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَهُوَ يَسْتَغِيثُ وَيَبْكِي، فَقَرَّبُوهُ مِنَ الْخَشَبَتَيْنِ، ثُمَّ تَوَّجُوهُ بِتَاجٍ مِنَ الشَّوْكِ، وَصَفَعُوهُ صَفْعًا، ثُمَّ حَمَلُوهُ عَلَى الصَّلِيبِ، وَسَمَّرُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَجَعَلُوهُ بَيْنَ لِصَّيْنِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَ هَذَا كُلَّهُ لِتَتِمَّ لَهُ الْحِيلَةُ عَلَى إِبْلِيسَ، لِيُخَلِّصَ آدَمَ وَسَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ سِجْنِهِ، فَفَدَاهُمْ بِنَفْسِهِ حَتَّى خَلَصُوا مِنْ سِجْنِ إِبْلِيسَ.
1 / 243