Hidayat Hayara
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
Editor
محمد أحمد الحاج
Editorial
دار القلم- دار الشامية
Edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٦هـ - ١٩٩٦م
Ubicación del editor
جدة - السعودية
Géneros
Doctrinas y sectas
(فَصْلٌ): وَلَا يُسْتَبْعَدُ اصْطِلَاحُ الْأُمَّةِ الْغَضَبِيَّةِ عَلَى الْمُحَالِ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، فَإِنَّ الدَّوْلَةَ إِذَا انْقَرَضَتْ عَنْ أُمَّةٍ بِاسْتِيلَاءِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا، وَأَخْذِ بِلَادِهَا، وَانْطَمَسَتْ حَقَائِقُ سَالِفِ أَخْبَارِهَا، وَدُرِسَتْ مَعَالِمُ دِينِهَا وَآثَارِهَا، وَتَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى الصَّوَابِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا وَأَسْلَافُهَا، لِأَنَّ زَوَالَ الدَّوْلَةِ عَنِ الْأُمَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِتَتَابُعِ الْغَارَاتِ وَخَرَابِ الْبِلَادِ، وَإِحْرَاقِهَا وَجَلَاءِ أَهْلِهَا عَنْهَا، فَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْبَلَايَا مُتَتَابِعَةً عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَسْتَحِيلَ رُسُومُ دِيَانَتِهَا وَتَضْمَحِلَّ أُصُولُ شَرْعِهَا وَتَتَلَاشَى قَوَاعِدُ دِينِهَا، وَكُلَّمَا كَانَتِ الْأُمَّةُ أَقْدَمَ، وَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهَا الدُّوَلُ الْمُتَنَاوِلَةُ لَهَا بِالْإِذْلَالِ وَالصَّغَارِ كَانَ حَظُّهَا مِنِ انْدِرَاسِ دِينِهَا أَوْفَرَ.
وَهَذِهِ الْأُمَّةُ الْغَضَبِيَّةُ أَوْفَرُ الْأُمَمِ حَظًّا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا أَقْدَمُ الْأُمَمِ عَهْدًا، وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا سَائِرُ الْأُمَمِ مِنَ الْكِشْدَانِيِّينَ وَالْكِلْدَانِيِّينَ وَالْبَابِلِيِّينَ وَالْفُرْسِ وَالْيُونَانِ وَالنَّصَارَى، وَمَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ أُمَّةٌ إِلَّا قَصَدَتِ اسْتِئْصَالَهُمْ، وَإِحْرَاقَ كُتُبِهِمْ وَتَخْرِيبَ بِلَادِهِمْ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَدِينَةٌ وَلَا جَيْشٌ وَلَا حِصْنٌ إِلَّا بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَخَيْبَرَ، فَأَعَزَّ مَا كَانُوا هُنَاكَ، فَلَمَّا قَامَ الْإِسْلَامُ وَاسْتَعْلَنَ الرَّبُّ تَعَالَى مِنْ جِبَالِ فَارَانَ صَادَفَهُمْ تَحْتَ ذِمَّةِ الْفُرْسِ وَالنَّصَارَى، وَصَادَفَ هَذِهِ الشِّرْذِمَةَ بِخَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَتَخْرِيبِ الدِّيَارِ ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ، وَكَانُوا مِنْ سِبْطٍ
2 / 477