واعلم أن الاستدلال الذي ذكره المصنف استدلال باطل لا ينبغي أن يكون موضوعًا في تصنيفٍ- كما قاله النووي- لأن الترتيب إنما وقع بين هذه الجملة وما قبلها، لا بين أفراد هذه الأعضاء.
قوله: ومن السنة ما [كذا] روى مسلم عن عمرو بن عبسة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، فقال: «ما منكم من أحد يقرب وضوءه، ثم يتمضمض ويستتنشق- إلا خرت خطايا فيه وأنفه مع الماء، ثم يغسل وجهه كما أمر الله تعالى إلا خرت خطايا وجهه مع أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى مرفقيه إلا خرت خطايا بدنه من أطراف أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه مع الكعبين كما أمره الله إلا خرت خطايا رجليه من أطراف أصابعه من الماء». انتهى كلامه.
وهذا الحديث ذكره مسلم في كتاب الصلاة في باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، لكن هذا اللفظ كله ليس في روايته، إذ ليس فيها: «كما أمر الله» في غسل الرجلين، وفيها: «ثم يغسل قدميه إلى الكعبين» أي: بلفظ «إلى» لا بلفظ «مع».
قوله: التتابع: عبارة عنه تطهير العضو بعد العضو بحيث لا يجف المغسول قبيله قبل شروعه فيه، مع اعتدال الزمان والمكان، فلا اعتبار بشدة الحر والبرد، ولا بالبلاد الشديدة الحرارة أو البرودة. قلت: وينبغي أن ينظر إلى اعتدال المستعمل له، فلا يعتبر بمن عليه حرارة وضدها. انتهى كلامه.
وما ذكره بحثًا في اعتدال المستعمل واقتضى كلامه عدم ذكر الأصحاب له، غريب، فقد ذكره الرافعي، وجزم باشتراطه على وفق ما ذكره، فقال: والتفريق الكثير: أن يمضي من الزمان ما يجف فيه المغسول مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص، ولا عبرة بحال المحموم. هذا لفظه، وتبعه عليه في «الروضة».
قوله: والجديد: أن التتابع غير واجب، لأن ابن عمر روى «أن النبي ﷺ توضأ في السوق، فغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه، فدعي إلى جنازة، فأتى المسجد، فدعا بماء، فسمح على خفيه، وصلى عليها» قال الشافعي: وبين ذهابه من السوق إلى المسجد تفريق كثير. وقد روي ذلك موقوفًا على ابن عمر. انتهى كلامه.
وهو يقتضي أن الشافعي روى هذا مرفوعًا إلى النبي ﷺ وليس كذلك، فإن الشافعي إنما رواه موقوفًا، فقال في «الأم» في كتاب اختلاف مالك والشافعي، في باب نوم الجالس- ما نصه: قال الشافعي: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه بال
20 / 34