395

ولكن الذي يسهل الخطب أنه يشترط في جواز التكليف بشيء أمران :

أحدهما : أن يكون مقدورا ولو مع الواسطة.

والثاني (1): أن يكون من المفاهيم العرفية ، ومن الأمور التي يفهمها العرف ، والمصالح وإن كانت مقدورة بالواسطة لكن لا تكون مما يفهمه العرف ، ضرورة أن العرف إذا قيل لهم : «انهوا أنفسكم عن الفحشاء والمنكر» يعدون المتكلم بهذا الكلام متكلما بكلام عبراني ، ولا يفهمون شيئا منه ، فلا يصح الأمر بذلك ، بل الأمر تعلق بنفس الفعل ، فيصح تعريف القوم بأن الواجب النفسي ما يكون واجبا لا لواجب آخر ، والغيري ما يكون واجبا لواجب آخر.

لكن هذا الجواب لا يتم في كثير من الواجبات التي تكون ملاكاتها معلومة لنا ، كرد الأمانة ، الذي ملاكه حفظ النظام ، وهكذا حفظ النفس ، والحرف التي يتوقف حفظ النظام عليها ، ودفن الميت ، فإن ملاكه حفظه عن تغير ريحه وهتك حرمته ، وغير ذلك من الواجبات التي تكون المصالح المترتبة عليها وملاكاتها من المفاهيم التي يفهمها العرف.

وبعبارة أخرى : عدم عرفية الملاكات كعدم عرفية الواجبات التي لها حقائق شرعية ، وقول الشارع : «اعمل عملا ينهاك عن الفحشاء» كقوله : «صل» في أن العرف كما لا يفهم ما ذلك العمل الذي ينهى عن الفحشاء كذلك لا يفهم ما هو الصلاة حتى يفعلها.

نعم إذا كان شيء خارجا عن فهم العرف ولم يمكن للشارع بيانه ، فهو غير قابل للتكليف ، ولكن الملاكات ليست كذلك. (م).

Página 76