فسكت.
فقال: ما بالك، يظهر أنك مصدق ما كتبوه عني.
فقلبت شفتي وهززت كتفي.
وفي صباح اليوم الثاني رأيته متصدرا إحدى الحفلات وقد أقيمت تحت رعايته، فكالوا له المديح بالمد. كان مطمئنا جدا في تلك الجلسة ينظر وكأنه يتمثل بقول النواسي:
خير هذا بشر ذا
وإذا الله قد عفا
رحم الله ذلك الزمان، يوم كانوا يشهرون الساقطين من أعين الناس فيركب المفلس حمارا، ويطاف به في شوارع المدينة في محفل مهيب. تمشي وراءه صبيان الأزقة ويحييه أصحاب الدكاكين بالبيض المذر، والبندورة المهترئة، والصرامي العتيقة. في تلك الأيام كان الرجل إذا مس اسمه هرول إلى المحاكم ليقيم دعوى الافتراء ليسلم شرفه الرفيع من الأذى. أما في هذه الأيام، فمن يطعن به يضحك ويهزأ، والذي تمدحه لا يبالي، فكأن الكلام أمسى لعبة أطفال ليس غير.
ومع ذلك يقولون لك: اكتب. وماذا تريدون أن أكتب؟ ولماذا أكتب؟ ألأعيش؟
إن صاحب النبوت أرفه مني حالا. إنهم يحتاجون إليه حيث لا يغني عنه غيره، فيعلفونه ويظل معلوفا موقوفا ذلك اليوم.
والمقاس أحرى مني بالحظوة والالتفات لأنه يجالسهم ويهدر مالا كما يهدرون، والماجن أقرب إليهم؛ لأنهم يرون فيه الجليس الأنيس.
Página desconocida