أقول لها وقد جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أو تستريحي
ركبت مرة عربة سائقها مكتهل. وكانت الطريق، كأكثر طرق لبنان، معلقة في صدر الجبل. تحتنا واد عميق لا تخترق أحشاءه الشمس، حتى يكاد يكون مظلما صلاة الظهر. مشهد رهيب يقف فيه الرجل على أبواب الأبد ولا يدري متى تبتلعه الهاوية.
خشيت حلول النكبة، فتنهدت ثم صعدت زفرة صارخة وتأففت، فإذا بالسائق الكهل يرفع سوطه في الفضاء مفرقعا به فتنحط الخيل وتنساب فأرتجف. وكأنه أدرك ما بي من خوف فانطوى نحوي وهو يقول: اصبر يا عم، لا تخف. الأرض تنهز ولا تقع. الرجل يجب أن يكون سندانا لا يلين ولا يهتز تحت ضربات المطارق مهما ثقلت وضخمت. قالها ثم عاد يناجي حصانيه، وهو يخال أنهما يفهمان عنه ما يقول.
كبرت كلمة خرجت من فم ذلك الأمي. الرجل يجب أن يكون سندانا. فانتصبت أمامي في تلك الهنيهة، صور جميع ما رأيت في حياتي من سنادين، فتشددت حتى حسبتني واحدا منها . قد تكون مواجهتنا لإحدى النكبات التي تنزل بنا أكبر امتحان لذاتنا، فالخوف وحده نكبة كبرى، وقد تكون كالمعركة الفاصلة في ميادين النضال، فإما أن ننهزم أو نفوز. إن كل ذلك يتوقف على شجاعتنا وسيطرتنا على أعصابنا فلا تضعضعنا أقل نسمة تهب علينا. وكأن كبلنغ شاعر الإمبراطورية البريطانية قد شاء أن يضع ابنه أمام المصاعب الخطيرة، فنظم له هذه القصيدة عارضا عليه فيها ما يواجهه من عظائم مصاعب الحياة فقال:
إذا كنت تقدر أن تنتظر ولا تتعجب من ذلك، وأن تبغض ولا تستأثر بالبغض، وبهذه الحالة لا تفرح بمزاياك، ولا يتملكك العجب فتتكلم بغلو في المعرفة.
وإذا كنت تقبل الظفر والانكسار مع ما بين هذين الاثنين من التباين.
وإذا كنت تقدر أن تسمع الحقيقة التي قلتها مشوهة بالقصد السيئ لخدع البلهاء، وأن تنظر إلى الأشياء التي خصصت لها حياتك تندثر، فتجمعها وتنظمها من جديد بذات الوسائل المعروفة.
وإذا كنت تقدر أن تجمع كل ما ربحته، ثم تخاطر بهذا الكل في قحمة مغامرة، فتخسر، ثم تبدأ من جديد دون أن تتذمر أو تشكو خسارتك ومصيبتك.
وإذا كنت تقدر أن تحرك عضلات وأعصاب قلبك بعد وهيهما ليخدماك ويؤديا بك إلى هدفك.
Página desconocida